تحلية مياه البحر لزراعة الصحراء حلم قريب المنال في الأردن

0 298

العالم الآن -هناك مشروع طموح يهدف إلى استخدام مياه البحر والطاقة الشمسية لزراعة الصحراء، لكن هل هذا ممكن من الناحية الفنية؟

داخل إحدى الصوبات الزراعية، يمكننا رؤية أوراق نبات الجرجير الصغيرة، ونبات الخس، والكرنب، وهي تتراص في التربة، وجميعها نباتات صغيرة لا تزال في طور النمو.

كما تتبدى أمامنا ثمار الفراولة بأوراقها الخضراء اليانعة، وهناك صفوف وراء أخرى من أشجار العنب ذات الأوراق العريضة التي تصل لحجم أطباق الطعام. كما رأينا نباتات أخرى مثل الخيار، والريحان، وأنواعا مختلفة من ثمار الطماطم.

ويقول كبير المزارعين في تلك الصوبة الزراعية، وهو السيد بلايز جويت، إنه يأسف لأن ثمار الريحان تبدو مبعثرة بعض الشيء في التربة، لكن ليس عليه أن يأسف أبدا، فخارج تلك الصوبة الزراعية، توجد حياة أشد قسوة، حيث يمكنك أن ترى جمالا ترعى بحثا عن العشب بين الشجيرات المتناثرة في الصحراء، مع أكوام من الرمال الممتدة حتى الجبال الصخرية البعيدة، ولا توجد مياه أو نباتات مزروعة في الأفق.

وتعد هذه الصوبة الزراعية التي تقع في صحراء الأردن، على بعد كيلومتر واحد من الحدود الإسرائيلية، و15 كيلومترا من ساحل البحر الأحمر، تجربة مثيرة في حد ذاتها، فهي جزء من مشروع ضخم يحمل اسم “مشروع غابة الصحراء”، والذي تدعمه مؤسسة نرويجية – تحمل نفس الاسم- ويقع في منطقة وادي عربة بالأردن.وتقول منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إنه بحلول عام 2050، يجب أن يزيد إنتاج الغذاء بنسبة 50 في المئة، لمواكبة الزيادة السكانية المتوقعة، ولن يكون ذلك سهلا.

وتقول سيلفي وابيس-كاندوتي، مسؤولة الطوارئ وإعادة التأهيل بمنظمة الفاو: “التحدي هو أن ننتج هذا القدر من الغذاء في حدود ذلك الكوكب، مع وجود مساحات محدودة من الأراضي الصالحة للزراعة، في وقت نعلم فيه أن كثيرا من تلك الأراضي يشهد تدهورا واضحا”.

كما أننا نواجه تحديات عالمية أخرى أيضا، كالتغير المناخي على سبيل المثال، وأزمات نقص المياه التي تشهدها العديد من الدول، من بينها الأردن.

وتؤثر كل هذه التحديات على بعضها البعض، فإنتاج الغذاء اليوم يستهلك نحو 70 في المئة من إجمالي المياه النظيفة المستهلكة عالميا، ويُسهم أيضا في انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 25 في المئة.

وببساطة، ستؤدي محاولات زيادة كميات الغذاء، دون تغيير طريقة إنتاجه، إلى مزيد من انبعاثات الغازات، واستهلاك أسوأ للمياه العذبة. وفي الوقت الذي تتزايد فيه التغيرات المناخية، ومعدلات نقص المياه، سيكون إنتاج الغذاء أكثر صعوبة في ظل استخدام نفس الوسائل التقيليدية المستخدمة حاليا.

ويقول جواكيم هوج، رئيس مؤسسة “مشروع غابة الصحراء”، وهي مؤسسة نرويجية تدعم ذلك المشروع في الأردن: “لا يمكنك أن تنظر إلى التغير المناخي بصورة منعزلة، فهو مرتبط بالمياه، وإنتاج الغذاء، وعليك أولا أن تحرز تقدما في هاتين القضيتين معا. ولذا، كان تركيزنا منصبا على فكرة أن نأخذ مما هو متوافر لدينا حاليا لإنتاج ما نحن في حاجة إلى المزيد منه”.

حل “ثلاثي

وتعد المياه أحد الموارد التي يحتاج الأردن إلى إنتاج المزيد منها، فبعد أن أصبح الأردن ثاني أفقر بلد في العالم في المياه، بات لديه أقل من 150 متر مكعب من المياه للفرد الواحد سنويا (بينما الفرد في الولايات المتحدة يحصل على أكثر من تسعة آلاف متر مكعب سنويا).

ومن بين أسباب هذه المشكلة في الأردن أن ثلاثة أرباع مساحته هي مجرد أراض صحراوية. وهناك أيضا مشكلة أخرى تتعلق بالزراعة، إذ أنها تستهلك نصف موار المياه في الأردن، لكنها تسهم فقط بنحو ثلاثة في المئة من الناتج الإجمالي المحلي للبلاد.

إن ما يملكه الأردن هو الشمس المشرقة طوال أغلب أيام العام، إذ يحصل هذا البلد في المتوسط على 330 يوما مشرقا في العام، وهو ما يوفر ما بين خمسة إلى سبعة كيلو واط في الساعة لكل متر مربع، مما يكفي لتشغيل 100 مصباح تقليدي، وعشرة أجهزة من الغسالات المنزلية، أو تشغيل جهاز تكييف كهربائي واحد.

وهذا ما دفع الإدارة التجارية الدولية التابعة للحكومة الأمريكية للقول إن الطاقة المتجددة تعد أحد أهم المجالات التي توفر أفضل الفرص الاقتصادية للأردن.

ولا يتمتع الأردن بمساحة كبيرة من السواحل، لكنه يطل على ساحل البحر الأحمر بمساحة 26 كيلومترا، وهي ليست مساحة كبيرة لكنها من خلال ذلك المشروع الجديد قد تكون هي كل المساحة المطلوبة.

ويتسم ذلك المشروع بروعة بساطته، فالطاقة الشمسية في الأردن تستخدم في تحلية مياه البحر، وتستخدم تلك المياه بعد تحليتها في زراعة محاصيل في الصحراء، وتساعد تلك المحاصيل في امتصاص الكربون من الجو، وضخه في التربة، وجميع هذه التحديات يتعامل معها المشروع في وقت واحد.

وقد يجلب ذلك المشروع منافع أخرى أيضا، بجانب الاستخدام الأمثل للموارد بصورة مستدامة. فعندما يتحول إلى مشروع تجاري واسع النطاق، فإنه قد يتيح للأردن تصدير المنتجات الغذائية، إذ يستورد الأردن حاليا نحو 98 في المئة من احتياجاته من الغذاء.

وبعد مرور نحو عام على إطلاق ذلك المشروع في سبتمبر/أيلول عام 2017، لا يزال في مرحلته التجريبية.

وتزيد مساحة تلك الصوبة الزراعية، التي يُجري فيها جويت وفريقه تجارب مختلفة لزراعة نباتات أخرى، عن مساحة ما مجموعه أربعة ملاعب كرة قدم تقريبا.

وتصل المساحة الإجمالية المخصصة لهذا المشروع نحو 200 هكتار، وبمجرد أن يثبت الفريق نجاح تلك الفكرة عمليا، فسوف تزيد المساحة التجريبية الحالية إلى 10 هكتارات بحلول عام 2020، ثم تتوسع إلى 20 هكتارا، وهكذا.

ولا أحد ينكر وجود عدد من التحديات أمام ذلك المشروع الطموح. لكن حتى الآن، بدأ فريق العمل بالفعل التعامل مع الصعوبات التي تواجهه، ومنها كيفية استخدام مياه البحر بعد تحليتها لزراعة المحاصيل في الصحراء القاحلة.

كانت درجة الحرارة في صباح أحد أيام الربيع، حينما كنت أزور المشروع، تبلغ 30 درجة مئوية، ويعد التحكم في تلك الحرارة من أهم الجوانب التي يجب على المشروع أن يثبت نجاحه فيها.

وداخل الصوبة الزراعية الخاصة بالمشروع، كانت درجة الحرارة تصل إلى 25 درجة مئوية بفضل غرفة التبريد.

وقد سرتُ بصحبة جويت وزميله فرانك أتسولا، مدير المرافق بالمشروع، وتوجهنا إلى الجانب الخلفي للصوبة الزراعية، حيث تقع غرفة التبريد.

ومن خلال تلك الغرفة يستطيع مهندسو المشروع خفض درجة حرارة الصوبة الزراعية بنحو 15 درجة مئوية عن خارجها، وذلك في بيئة قد تصل فيها الحرارة في فصل الصيف إلى 45 درجة مئوية.

ويُستخدم في ذلك غطاء كبير (بطانية) مبلل بالماء المالح، يوضع مقابل اتجاه الرياح، ومع تبخر المياه، يُسهم ذلك في تخفيض درجة الحرارة داخل الصوبة.

وكما يوضح أتسولا، فإن البدو كانوا يستخدمون السجاد أو المناشف المبللة لتبريد خيامهم منذ قرون، ويشير أيضا إلى أن تقنيات تحلية مياه البحر، والطاقة الشمسية ليست جديدة أيضا.

ويقول هوج إن الفكرة تكمن في الجمع بين هذه التقنيات معا في مشروع واحد. وليست الحرارة المرتفعة هي المشكلة الوحيدة التي تواجه النباتات في الصوبة الزراعية، إذ أن الحرارة تصل في الليل إلى سبعة درجات مئوية، وعندها تستخدم المياه الدافئة التي تمر في الأنابيب الموجودة في سقف الصوبة، وتتناثر فوق النباتات لتدفئتها.

وتحصل النباتات داخل الصوبة الزراعية على كمية وفيرة من المياه أكثر مما تحتاجه، ثم تُجمع المياه الزائدة عبر خزانات في نهاية أطراف الصوبة الزراعية. ويستخدم جويت تلك المياه الفائضة في تجاربه على نباتات أخرى خارج الصوبة.

ومن بين عدد النباتات البالغ 864، التي زرعها جويت خارج الصوبة، هلك 49 نباتا فقط، وبعض هذه النباتات يزرعها جويت فقط من أجل إفادة التربة وإمدادها بالعناصر المفيدة التي تحتاج إليها.

حلم توصيل أنابيب المياه

ومع أن الفريق يتقن كيفية زراعة النباتات في الصحراء، هناك مشكلة أخرى تتمثل في كيفية نقل المياه من البحر الأحمر إلى موقع المشروع، لمسافة 15 كيلومترا.

وفي الوقت الراهن، تُجلب المياه عبر شاحنات كل يومين، وهو حل مؤقت لا يسهم في الحد من نسبة الكربون في الجو، ولا يمكن الاعتماد عليه إذا توسع المشروع بصورة كبيرة.

وأحد الحلول المقترحة، كما يقول هوج، يكمن في أن تتخذ الأنابيب المفترضة نفس الطريق المخصص لمشروع نقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت، وهو مشروع يتكلف 10 مليارات دولار، ومخطط له منذ فترة طويلة، لكنه لا يزال يواجه عددا من الصعوبات منذ سنوات.

ولا يزال الباحثون في مشروع غابة الصحراء يشعرون بالتفاؤل، فهم يعدون دراسات حاليا حول القيمة التجارية التي ستحققها فكرة توصيل أنابيب لنقل المياه من البحر الأحمر، والتي لن تفيد مشروع غابة الصحراء فحسب، وإنما ستفيد المجتمع الأردني ككل، من خلال توفير فرص عمل وفتح مجالات تجارية مختلفة.

ولأن المشروع يحظى بدعم من العائلة الملكية في الأردن، فهذا ربما يعني أن يتقدم المشروع بخطوات أسرع، ومن المحتمل، كما يأمل البعض، أن يبدأ مشروع توصيل أنابيب المياه هذا قبل نهاية عام 2018.

وبغض النظر عن تلك التحديات السياسية أو البيروقراطية التي تتعلق بتوصيل أنابيب المياه من البحر الأحمر، فإن فكرة تحويل هذه المساحات الشاسعة من الصحراء إلى مساحات خضراء ومزارع، هي فكرة رائعة حقا.

لكن كما يقول فريق العمل في المشروع، فإن كل التقنيات المستخدمة فيه قد أثبتت جدواها، وهو ما يدعو إلى التفاؤل.” BBC “

مقالات ذات الصلة

اترك رد