بين تأريخ التجربة الوطنية والحكايات الفردية – د. غالب سعد – الأردن

0 406

العالم الآن – تلبية لدعوة كريمة من الأخ المناضل والكاتب معين الطاهر، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسات التنمية، التقينا مجموعة من الزملاء والمهتمين، في مقر المركز في عمان، للإستماع الى المناضل والكاتب الفلسطيني، محمد يوسف ( ابو علاء منصور)، وهو يقدم كتابة ” رحلة لم تكتمل ” وقد حاوره الدكتور، أحمد جميل عزم، من جامعة بير زيت الفلسطينية، والكتاب كما قدمه صاحبة، لم يخضع لقواعد أكاديمية أومنهجية معينه، ولم يهتم بأن يعطيه تصنيفاً بين كتب التاريخ أو الأدب السياسي او المذكرات واليوميات، ولم يكن سوى حكايات فردية إنتقائية، من مسيرة المؤلف، أو سيرة مناضلين آخرين، نقلها عنهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ولم ينتقص هذا، على أي حال، من قيمة الكتاب، ولا من أهمية الإشكاليات التي يثيرها، في إطار المراجعة الجادة والمطلوبة بإلحاح، لمسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.

إنخرط الفلسطينيون منذ ستينيات القرن الماضي في حركة سياسية عسكرية، منظمة الى حد كبير،إشتهرت بإسم الثورة الفلسطينية أو الحركة الوطنية الفلسطينية، وهي محصلة رفض الفلسطينيين ومقاومتهم للمشروع الصهيوني، المتمثل بإغتصاب أرضهم وإقامة كيان قومي لليهود عليها، تحت مسمى دولة إسرائيل، ولم تنجح جهود الفلسطينيين في ذلك حتى الآن، كما لم تنجح جهودهم منذ ربع قرن، في إطار عملية السلام المعروفة بإتفاق أوسلو، بإقامة دولة فلسطينية، على حدود الرابع من حزران 1967 ( في الضفة الغربية وقطاع غزة ) مقابل قبولهم وإعترافهم بدولة إسرائيل، وهو المأزق الكبيرالذي يعيشونه حالياً، ويتطلب مراجهة شاملة وعميقة لمسيرتهم النظالية، بما لها وما عليها، وحتى لا نحمل هذا الكتاب ما لا يحتمل، وربما ما لم يفكر به الكاتب أصلاً، فإن مثل هذه المراجعة تحتاج لمعرفة حقيقية ومتكاملة، لما حصل مع الفلسطينيين، من خلال تدوين الحقائق كبيرها وصغيرها، وتحليلها بشكل علمي، ومقاطعتها مع أي حقائق أخرى لدى الطرف الآخر في الصراع، واي أطراف أخرى ذات علاقة أو تأثير فيما حصل وما وصلت اليه القضية الفلسطينية، في هذا الإطار يمكن تناول مضمون الكتاب موضوع النقاش، كغيره من نتاج الذاكرة الفردية والجماعية والمؤسسية، للمشاركين في هذه المسيرة والشهود عليها، ومن زاويتين رئيسيتين على الأقل، منهج الكتابة التاريخية، من ناحية، ومضمون ما كتب وما يجب أن يكتب من ناحية أخرى.

من ناحية منهج الكتابة التاريخية، يثور بدايةً السؤآل المركزي، هل يكفي المنهج التاريخي وحده، رغم أهميته، لفهم التجربة الفلسطينية المعاصرة، لا سيما أنها تجربه ممتعدة لأكثر من نصف قرن، وذات أبعاد سياسية وإجتماعية وإقتصادية وعسكرية وغيرها، ومن المعروف أن هناك العشرات من المناهج والمقاربات المستخدمة في تناول الظواهر المشابهة للصراع العربي الإسرائيلي، ومع الإقرار بأن هذا ليس من مسؤوليات مؤلف الكتاب، ولكن من مسؤوليات الطبقة السياسية ومراكز البحث والمثقفين والقراء أن يعرفوا الى أي مدى يمكن الإستفادة من مثل هذا الكتابه، دون إستكامل المعلومات وإكتمال الصورة، وإخضاعها بأبعادها المختلفة، لأدوات التحليل العلمي المناسبة، فالثورة الفلسطينية لم تكن مجرد أفراد يصنعون تجاربهم ويدونونها، فمع أن لكل قصة حصلت حمولتها من الأسباب والنتائج والمعاني، ولكنها لا تستطيع التأثير بشكل ملحوظ في النتائج، إلّا إذا تراكمت وإتحدت مع قصص أخرى في ظاهرة واحدة، وهذا حال الثورة الفلسطينية أو ما بقي منها اليوم، على هيئة مؤسسات وهياكل في السلطة أو المنظمة وما حولهما، في مثل هذه الحالة تتراجع جدوى إستخدام المنهج الوصفي والتاريخي، الذي ليقتصر على تقديم مادة خام للتحليل، من خلال الوثائق والبيانات، بينما تُعطى الأولوية لمناهج التحليل الأخرى، التي تعد بالعشرات، وفي مقدمتها المنهج المؤسسي والوظيفي والقانوني، ومتفرعاتها، مثل، التحليل السياسي، ودراسة الحالة، والمنهج الكمي والإحصائي والمقارن على ضوئ تجارب الشعوب الأخرى، ومنهج دورالنخبة في توجيه الأحداث، ومحدودية كفاءتها في صياغة القرارات، وجر المجتمع لخيارات لا يمكنه تمحيصها أو تغييرها أو الإعتراض الفعلي عليها، رغم وجود المؤسسات التشريعية والقضائية، نظرياً، والى أي حد يمتلك الفلسطينيون مؤسسات فعلاً.

أما من حيث المضمون، فليس لأحد أن يعترض على حق غيره في كاتبة ما يريد، وبالمقابل يبقى الحق نفسه محفوظاً لمن لديه ملاحظات أو إضافات، أن يدلي بدلوه وبما لديه من حجج وبراهين، وللمتضرر مادياً أو معنوياً الحق بالإعتراض وطلب التصحيح، ويبقى الحكم للقاريء أو المستفيد النهائي، ومقابل حق الكاتب بحرية التعبير، تقع على عاتقه مسؤولية علمية وأدبية، لأن ما يكتبه في الشأن العام يصبح بعد النشر ملكاً للجمهور، ويمكن أن يرتب مسؤولية قانونية في حالة التشهير أو تضليل الرأي العام، والأهم والأخطر تلك المسؤولية، المعنوية والحضارية التي تقع على عاتق المجتمع بأكمله ومؤسساته المختصة، في حالة التقصير في توثيق التجربة كاملة، بإيجابياتها وسلبياتها، مهما كانت مرة ومعيبه، ليس من بهدف الوصول للحقيقة فقط، بل من باب خدمة المصلحة العامة، بأن يمتلك المجتمع المعطيات التي تمكنه من تقييم تجربته وتصحيح مسيرته حفاظاً على أمنه ومصلحته، وهذا ما يميز الأمم والشعوب المتحضرة الناضجة التي لا تكتفي بتسجيل أمجادها وإنجازاتها، بل تمتلك الشجاعة للإعتراف بخطأها وفشلها، وتسارع لتشكيل لجان التحقيق وإعداد التقارير في كل الأحداث والمحطات الرئيسية من مسيرتها والإستعانة بالخبراء والقضاء النزيه وتحميل المسؤوليه لمن يجب أن يتحملها.

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد