الدولة تعرف رجالها، وهم يعرفون واجباتهم – د. غالب سعد – الأردن

0 387

العالم الآن – يخطيء من يعتقد أن إنسحاب دولة الرئيس طاهر المصري، من شراكته مع دولة الرئيس أحمد عبيدات، في مشروع ” التجمع الوطني للتغيير” كان حدثاً عابراً ولا يتجاوز العلاقة بين الرجلين، ففي ظني أن الموضوع أعمق من ذلك بكثير، ليس لتاريخ الرجلين في الحياة السياسية ولا لإمتدادهما في النسيج المجتمعي الأردني فحسب، بل لأن الوطن كان وما يزال، يتطلع لمثل هذا التجمع، ليمثل شبكة أمان سياسية، قادرة على تمثيل المواطنين، وتأمين تواصلهم، صعوداً ونزولاً مع الدولة ، وتحشيدهم خلفها، كرديف جماهيري في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية، كان يمكن للتجمع الجديد، أن يشكل شراعاً في قبضة قائد السفينة، يساعد في توجيه دفتها، حتي تجتاز بنا جميعاً، المحيط الهائج من حولنا، وتصل بنا الى بر الأمان، فمسؤولية رجال الدولة، في لعب هذا الدور ليس ترفاً، بل واجب وطني، بعد أن أفصح قائد البلاد، بكل وضوح عن حجم الضغوط السياسية والإقتصادية، الهادفة لتركيعنا وتمرير صفقة القرن على حسابنا، أردنيين وفلسطينيين على حد سواء، وبعد أن أدرك الجميع محاولات الإرباك غير البريئة، التي تأخذ شكل حراكات مطلبية وسياسية، أو إثارة حساسيات مناطقية أو قبلية لحسابات شخصية، لا مكان لها في الأجندة الوطنية.

يبدو أن دولة طاهر المصري، بشخصيته المحافظة، انطلق من هذا التصور الوطني حصراً، ليقبل مبدأ المشاركة في تأسيس التجمع، وكان يمكن أن يستمر، لولا هواجس داخلية نبهته لبعض الثغرات والمطبات، التي لا يجوز لمن في خبرته أن يغفل عنها، هنا على المراقب أن يرصد ما قاله صراحة عن اسباب إنسحابه المبكر من المشاركة، وأن يغوص في اسلوبه الدبلوماسي، ليستخرج من بين السطور ما أراد أن يقول دون تصريح، فالإحتجاج على التعجل في الإشهار التجمع في غيابه ليس خلافاً على التوقيت، بقدر ما هو ترجمة ذكية، لقراءة مختلفة للمرحلة ومستجداتها، والشكل والمضمون المناسبين للتجمع المطلوب، وربما وجد نفسه متوافقاً مع مفهوم الإصلاح البناء في المسيرة السياسية، أكثر من مفهوم التغيير الجذري في النهج، الذي يتبناه الطرف الآخر، ومما زاد من مخاوفه ذلك السقف المرتفع للمطالب والشعارات التي يحملها شركاء تم اقحامهم في التجمع، وربما سيجرون التجمع الى ميادين الإحتجاج، باعتبارها مكانهم المفضل، بينما كان المنتظر من التجمع أن يساهم احتواء الشارع وتنفيس الإحتقان، وتخفيف الضغط الداخلي عن الدولة، في وقت هي بالكاد تتحمل الضغوط الخارجية، وتحتاج لفسحة من الوقت حتى تتجاوز القادم، وصفقة القرن، وما قد يصيب المنطقة من توترات.

لم يستطع دولة طاهر المصري إلّا أن يكون وفياً لطبعه ولتاريخه الشخصي والعائلي، حين قال في بيان الإنسحاب” في كل الاحوال والظروف لم اكن ولا استطيع الا أن أكون مع الدولة الاردنية ومؤسساتها الدستورية وقيادتها ، وخصوصا في اللحظة الراهنة، ولست وحيدا في هذا المضمار” كلمات قليلة مثقلة بالمضامين والرسائل، لم يرقَ اليها بيان الإشهار الذي اعلنه دولة احمدعبيدات، وكان بالنتيجة، مخيباً للآمال، ليس في نظر شريكة الرئيسي فقط، بل في نظر ملايين الأردنيين الذين يمثلهم دولة طاهر المصري، وكان يقصدهم بقوله ” ولست وحيداً في هذا المضمار” وكأنه على يقين أنهم اولوه ثقتهم وتمثيلهم، وينتظرون بكل تفاؤل، أن يجدوه في صدارة تشكيل سياسي يمثل وجدانهم، المشبع بالوفاء والوحدة الوطنية، فوجدوا الوفاء في كلماته، عندما أشار الى ” اللحظة الراهنة خصوصاً” وكأنه يقول، كيف لي أن أقبل مشاركة أهلي واخواني في عبثية الإرباك والتصعيد ضد الدولة، في الوقت الذي يتوجب عليهم وأنا منهم، الوفاء لأرض احتضنتنا وأكرمتنا، كما علينا الإمتنان لقيادة تقف، وحيدة تقريباً، للدفاع عن مقدساتنا ومستقبلنا وحقوقنا التاريخية، أما مفهوم الوحدة الوطنية، فهو حلمهم كما هو حلم دولته، بأن يضعوا اليد باليد، مع كل الأردنيين، للمساهمة في بناء الدولة وحمايتها، من خلال اطار وطني على اساس المواطنة والكفاءة، وأن تخرج من الذاكرة، محاولات حزبية سابقة، ضلت طريقها، وتعثرت بعد أن غرقت بالشخصنة والمناطقية والقبلية، وخسرت قياداتها المتنورة قبل أن تبدأ، وكأن التاريخ يطل علينا ويعيد نفسه، من جنوبنا حيناً ومن شمالنا حيناً آخر، لقد لعبت الخبرة دورها في حماية الكثيرين من الوقوع ضحية الإستغفال، بفضل حكمة الأخ ابو نشأت، الذي آثر الإنحياز للدولة والقيادة، وتبرأ من هذه الشراكة الحزبية الملتبسة، رغم أن بيان الإشهار حاول إيهام الجمهورأنه الغائب الحاضر، ومستمر في موقعه وعلى توافق تام معهم، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير.

السفير / غالب سعد

مدير/ المركز الإقليمي للتنمية المستدامة

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد