أثرياء إيران يستغلون سيارات الإسعاف لتفادي الازدحام في العاصمة

0 250

العالم الآن – عندما دق جرس الهاتف في أحد مراكز الإسعاف الخاصة بالعاصمة طهران، كان المتصل أحد أشهر لاعبي كرة القدم الإيرانيين. وتعرّف موظف الإسعاف عليه فور اتصاله، كما أعرب عن تعاطفه البالغ مع الحالة الطبية الطارئة «المفترضة» في عائلته. غير أن نجم كرة القدم أطلق ضحكة ساخرة وقال إنه لا يوجد أحد مريض في عائلته. بل كان يطلب حجز سيارة الإسعاف ليوم واحد لاستخدامها في قضاء بعض المشاوير المهمة حول المدينة. وكان يرغب في التخلص من الازدحام وربما الاختناق المروري الذي قد يحيل مشواراً يستغرق 10 دقائق إلى جحيم انتظار مروري يتجاوز الساعتين. وكان المبلغ الذي يعرضه لقاء تلك الخدمة الخاصة يساوي راتب مدرس إيراني لمدة شهر كامل.
بالنسبة للأثرياء من المواطنين الإيرانيين، وحتى بالنسبة للمعلمين الخاصين الذين يعدّون الطلاب لخوض امتحانات الجامعة الوطنية، تحول استئجار سيارات الإسعاف ذات السائق الخاص إلى أحدث الاتجاهات الشائعة في البلاد التي لا ينقصها الازدحام المروري القاتل للوقت والمثير للإحباط.
وتعدّ هذه الممارسة غير قانونية بالمرة. وأعربت شركات الإسعاف كافة، التي تم التواصل معها عبر الهاتف خلال الأسبوع الماضي، عن قلقها البالغ من إساءة استغلال سيارات الخدمات الطارئة؛ لمقدرتها على تجاوز إشارات المرور الحمراء والسماح لها بالمسير عبر حارات مرورية غير مزدحمة وصولاً لوجهتها المقصودة، سيما أن هذه الممارسة تخلق انتهاكاً خطيراً للغاية لثقة المواطنين في تلك الخدمات، مع إعاقة النقل السريع الضروري للمرضى من وإلى المرافق الطبية، حسبما ذكرت صحيفة «نيويورك» الأميركية.
وطالب كثير من المواطنين الإيرانيين السلطات المعنية باتخاذ الإجراءات الصارمة حيال الأمر، غير أن استئجار سيارات الإسعاف الخاصة لغير الأغراض الطارئة المخصصة لها لا يزال مستمراً من دون انقطاع. وانتقلت تلك الظاهرة السلبية إلى المنافذ الإعلامية بدءاً من الأسبوع الماضي عندما تحدث رئيس خدمات الإسعاف بالعاصمة طهران عن الأمر، غير أن شركات الإسعاف الخاصة تقول إنها تواصل تلقي تلك الطلبات الخاصة منذ أكثر من عام وحتى الآن.
وقال محمد رحيمي، رئيس شركة «ناجي» الخاصة لخدمات الإسعاف، تلك التي تلقت اتصال نجم كرة القدم المذكور آنفاً: «مما يؤسف له أننا نتلقى مثل هذه المكالمات طوال الوقت من الأثرياء والمشاهير، مثل الممثلين والرياضيين».
وأضاف السيد رحيمي، الذي ظل مسؤولاً عن قسم الحجوزات في الشركة منذ 15 عاماً حتى الآن: «ترفض الشركة في غالب الأمر تلبية مثل هذه الطلبات الخاصة، نظراً لأن وظيفتنا الأساسية هي المساعدة في نقل المرضى، ونحن لسنا شركة لسيارات الأجرة ذات صفارات الإنذار!».
يبلغ تعداد سكان العاصمة طهران نحو 14 مليون نسمة، وساعدت أعمال البناء العشوائية وغير المنظمة في تحويل العاصمة إلى واحدة من أسوأ العواصم العالمية بسبب الاختناقات المرورية الشديدة فضلاً عن التلوث البيئي الناجم عنها. كما تحولت الطرق السريعة المحيطة بالعاصمة إلى ما يشبه ساحات انتظار السيارات الممتدة مع مزيد من السيارات المتوقفة هناك في أي ساعة من اليوم.
وقد حاولت العاصمة تنفيذ بعض الأساليب المبتكرة للحد من المشكلات المرورية اليومية، وإنما من دون جدوى. على سبيل المثال، يحتاج السائقون الذين يريدون الوصول إلى وسط طهران الحصول مسبقاً على تصريح خاص! كما يُسمح للسيارات بالبقاء على الطرق لفترة معينة من الوقت وفي أوقات مختلفة من اليوم استناداً إلى الرقم الأخير المسجل في لوحة السيارة سواء كان فردياً أم زوجياً!
وبصفة عامة، أصبح المواطنون الإيرانيون بارعين للغاية في كسر القواعد والالتفاف عليها. ويقول المحللون إن المواطن الإيراني العادي يخوض لعبة القط والفأر ضد القيود الاجتماعية والدينية المفروضة من قبل حكومة الجمهورية بصورة يومية عبر العقود الأربعة المنقضية منذ قيام الثورة الإسلامية في البلاد.
وليست قوانين المرور الإيرانية استثناء من ذلك في شيء؛ ففي جميع أنحاء العاصمة طهران، تسير السيارات بسرعة في الاتجاه المعاكس على الممرات ذات المسار الواحد، كما أنها تسير عكسياً على مخارج الطرق السريعة وتتجاوز الحدود القصوى للسرعات المسموح بها. وعندما يصدر أحد ضباط المرور مخالفة للسيارة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن قائدها هو رشوة الضابط واستمالته كي يمزق المخالفة، كما يقول سكان العاصمة.
ربما تعدّ فضيحة سيارات الإسعاف الخاصة من التجاوزات الكبيرة التي تعد انتهاكاً فجّاً للنظام المدني في العاصمة؛ إذ كانت ردود الفعل المدنية شديدة السخط عبر منصات التواصل الاجتماعي وفي الصحف المحلية كذلك. وأطلق كثير من المواطنين الإيرانيين انتقادات شديدة ضد الحكومة لعجزها الواضح عن اكتشاف هذه الممارسة السيئة والحد من انتشارها.
وكتب المواطن الإيراني آزار غوربانوغلي مغرداً على «تويتر»: «يا له من كابوس مزعج. لقد دمروا المدينة، والاقتصاد، والخدمات الصحية، والآن يتجهون إلى خدمات الإسعاف».
كذلك غردت المواطنة الإيرانية إحسان تيموربور تقول: «عار عليكم»، متهمة المشاهير في البلاد بـ«تعمد إهانة عمال الطوارئ والإسعاف المجتهدين في أعمالهم».
وصرح مجتبى لوهارسبي، رئيس خدمات الإسعاف الخاصة في طهران لبعض المنافذ الإخبارية الإيرانية الأسبوع الماضي يقول إن هذه الظاهرة كانت واسعة الانتشار وليست مقتصرة على المشاهير في البلاد فحسب. وأضاف أن «المعلمين الخاصين اعتادوا استئجار سيارات الإسعاف الخاصة واستخدموها كسيارات أجرة بانتظام للوصول إلى فصولهم الدراسية في المواعيد المحددة».
وقال السيد مجتبى: «قوات شرطة العاصمة مشغولة للغاية لدرجة أنها لم تتمكن من التعاون معنا للحيلولة دون استمرار هذه الممارسات غير القانونية».
ولم يتم الإفصاح على هويات المشاهير وموظفي خدمات الإسعاف الخاصة الذين ينتهكون القانون. ومن غير الواضح كذلك التدابير التي تتخذها شركات الإسعاف الخاصة للتحقق من أن الأثرياء يمكنهم استقلال السيارات نفسها المخصصة لنقل المرضى أو المصابين إلى المستشفيات. وأسفرت الاتصالات الهاتفية بأكثر من 10 شركات إسعاف خاصة في العاصمة طهران عن رفضها التام تلقي مثل هذه الطلبات غير التقليدية من العملاء.
بدأت خدمات الإسعاف الخاصة في إيران قبل نحو عقدين من الزمان في استجابة لنقص المتاح من سيارات الإسعاف الحكومية، والتي تستجيب لطلبات الطوارئ ونقل المرضى والمصابين بأعراض خطيرة إلى المستشفيات.
تستخدم شركات الإسعاف الخاصة نظماً معينة لحجز السيارات بصفة خاصة، وذلك بالإضافة إلى نقل المرضى والمصابين إلى المستشفيات، وتوفر تلك الشركات خدمات أخرى تتمثل في نقل المرضى إلى عيادات الأطباء، أو مراكز الأشعة، أو المختبرات الطبية.
وقالت شركة «بيهرويان» لخدمات الإسعاف الخاصة في العاصمة إن عمليات نقل المرضى تخضع لرقابة وقيود صارمة، كما تحتاج إلى تصاريح حكومية، فضلاً عن سجل واضح بالوجهات المقصودة. وقالت إن السلطات المعنية تحقق في المخالفات ومع مرتكبيها بهدف استعادة ثقة الجمهور في تلك الخدمات.
وذكرت المنافذ الإعلامية الإيرانية أن المدعي العام بالعاصمة طهران أصدر أمراً بوقف انتهاكات سيارات الإسعاف الخاصة. وصدرت الأوامر لشرطة العاصمة بوقف ومصادرة سيارات الإسعاف التي تُكتشف مساهمتها في نقل الأشخاص من غير المرضى مع إحالة الشركة إلى المحاكمة.
هذا؛ وقد أعربت جميع شركات الإسعاف التي جرى التواصل معها عبر الهاتف عن قلقها من أن سوء استغلال الخدمات سوف يتداخل مع خدمات نقل المرضى الحقيقيين.
وقال السيد رحيمي من شركة «ناجي» الخاصة للإسعاف إن سائقي الشركة قد أبلغوه عن زيادة واضحة في رفض السيارات العادية إفساح الطريق لسيارات الإسعاف على الطرق، وأضاف: «يرى الناس سيارة الإسعاف فيظنون أنها لا تنقل مريضاً بين الحياة والموت كما هو معتاد، وإنما هو أحد المشاهير أو نجوم المجتمع في طريقه إلى الكوافير، فلا يتعاونون بالتوقف أو السماح للإسعاف بالمرور».
ومع ذلك، جاءت ردود فعل بعض المواطنين الإيرانيين على الفضيحة مفعمة بالسخرية على «تويتر» و«فيسبوك» وأنه ربما ينبغي على تطبيق «سناب» الشهير لسيارات الأجرة في إيران أن يفكر في توفير خدمات الإسعاف للمواطنين!
” الشرق الاوسط”

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد