السودان: اتجاه لرفع الرواتب بهدف مواجهة الغلاء

0 338

العالم الآن – ما زالت الأوضاع المعيشية في السودان تواجه ارتفاعاً حاداً في أسعار السلع الأساسية، إلى جانب ندرة في الوقود والخبز، بما يزيد من معاناة المواطنين، إلى جانب أزمة طاحنة في المواصلات العامة، وذلك على الرغم من حدوث تغيير سياسي في أبريل (نيسان) الماضي.
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في السودان 425 جنيهاً، ما يعادل 9 دولارات تقريباً، وهي لا تكاد تغطي ما نسبته 20 في المائة من كلفة المعيشة، ما يجعل من حياة أغلب المواطنين جحيماً لا يطاق.
وأدت الأزمات المتلاحقة في السلع الأساسية والخدمات إلى احتجاجات بدأت في ديسمبر (كانون الأول) 2018، ولم تتوقف إلا بعد إسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وكشف تقرير الأداء الصادر عن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لعام 2019، والذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن الصرف على رواتب العاملين، حتى نهاية ديسمبر الماضي؛ بلغ 58.6 مليار جنيه سوداني (نحو 1.3 مليار دولار).
وأعلنت وزارة المالية عن بدء ما سمَّته عملية «الإصلاح المؤسسي وزيادة الأجور»، بحلول النصف الثاني من عام 2020، بحسب تصريحات وزير المالية إبراهيم البدوي الذي تم تكليفه بالمنصب حديثاً. وقالت المواطنة خالدة أحمد لـ«الشرق الأوسط»، إنها تواجه صعوبات بالغة في الحصول على السلع والاحتياجات اليومية، وذلك على الرغم من تقليصها نفقات أسرتها للحد الأدنى، وأضافت: «بات الأمر لا يحتمل، السلع أصبحت غالية جداً، والأجور ما زالت ثابتة».
وأما طارق حيدر، وهو موظف، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «توفير متطلبات أسرتي الصغيرة بات ضرباً من الخيال. الغلاء الذي اجتاح الأسواق منذ العام الماضي فاق قدراتنا المالية، ولم تعد الأجور كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية».
وألحق ارتفاع الأسعار أضراراً بالغة بكل المواطنين، لا سيما أصحاب الدخل المحدود، وجعلهم يجأرون بالشكوى دون جدوى، بانتظار تحسن الأوضاع الاقتصادية في عهد «حكومة الثورة».
ورغم الزيادات في الرواتب التي أعلنتها الحكومة المنحلة في ميزانية عام 2019، بواقع 500 جنيه (11 دولاراً تقريباً) لأقل درجة في الهيكل الراتبي، وللمتقاعدين إلى 2500 جنيه (55.6 دولار) للدرجات العليا، فإن المسافة لا تزال بعيدة بين الحاجات والدخول.
وحدد المجلس الأعلى للأجور في دراسة، أن الحد الأدنى للمعيشة يقدر بنحو 8992 جنيهاً (200 دولار) شهرياً لأسرة مكونة من 6 أفراد.
ورغم عدم كفاية الأجور، تشير إحصاءات وزارة المالية إلى أن الحجم الإجمالي لزيادة مرتبات العاملين والمعاشيين بلغ 15 مليار جنيه (333 مليون دولار) في موازنة العام الحالي 2019، بعجز بلغ أكثر من 54 مليار جنيه (1.2 مليار دولار).
وبلغت معدلات التضخم (سعر المستهلك) مستويات قياسية، إذ تجاوزت 68 في المائة، بينما تراجع سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية بنسبة تجاوزت مائة في المائة، في فترة لا تقل عن نصف عام.
ويرجع أستاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين، الدكتور محمد الناير، الأزمة إلى انخفاض «الناتج المحلي الإجمالي»، الذي يكشف عدم وجود زيادة حقيقية في متوسط دخل الفرد، بما يجعل زيادة الدخول مجرد نقد ليست له قيمة حقيقة.
وقال الناير إن زيادة المرتبات لا تتجاوز كونها «محاولة لتغطية جزء من التآكل في المرتبات»، وتابع: «حل المشكلة ليس في زيادة الأجور؛ بل في تغيير السياسات المالية والنقدية المتبعة في عهد النظام السابق»، وأضاف: «زيادات الأجور السابقة لم تحل مشكلة الارتفاع المستمر في الأسعار؛ لأنها أولاً كانت تدعم فئة معينة وتزيد التضخم».
وشدد الخبير الاقتصادي الدكتور الفاتح إبراهيم، على أهمية إجراء مشاورات ودراسات حول مقدرة وزارة المالية واتحاد أصحاب العمل على دفع قيمة الزيادة، وما قد يترتب عليها من زيادات في مكافأة نهاية الخدمة.
وقال: «القضية ليست زيادة الأجر؛ لكن ترتبط الزيادة المباشرة بمدى قدرة المشغل على الإيفاء بها في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تعيشها البلاد»، وتابع: «غالباً ما يضطر المشغلون إلى إغلاق المنشأة، وبالتالي يفقد العامل العمل نفسه»، ويستطرد بأن «معظم الشركات والمؤسسات الحكومية تعاني من الخسارة، وتعمل شركات القطاع الخاص في بيئة غير مواتية وسط معدلات تضخم مفرط، وصعوبات في الحصول على التمويل والسيولة».
وأوضح إبراهيم أن معادلة زيادة الأجور ليست ببساطة اتخاذ قرار فقط، وقال: «السؤال: من يدفع، وكيفية الدفع؟ وما إن كان بوسعه الدفع؟ مقرون بالتفاوت اللافت في الحد الأدنى للأجور»، وتابع بأن «انهيار سعر العملة الوطنية مرتبط بارتفاع الأسعار، وارتفاع الأسعار معظمة هلع من انهيار قيمة الجنيه السوداني».
ودعا إبراهيم إلى تغيير طريقة إدارة الاقتصاد، لتكون الزيادات في الرواتب مجزية، وقال: «معظم الدعم المالي الذي توجهه الحكومة للشعب يذهب لدعم الوقود، ولا تستفيد منه الطبقة الوسطي ومحدودو الدخل»، ويستطرد: «لو أنه ذهب لدعم المواصلات العامة والصحة والتعليم، فهذا أفضل للمواطن من زيادة الرواتب».
وقطع بأن سياسة زيادة الأجور ليست حلاً؛ بل ضبط الأسواق وزيادة الصادرات وإحلال الواردات، وتقليص العجز في الميزان التجاري، هي الإجراءات التي يمكن أن تنعكس إيجاباً على حياة المواطنين.
” الشرق الاوسط”

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد