مرجانه و علي بابا- سهير جرادات – الأردن

0 838

العالم الآن – منذ فترة كنت في زيارة إلى بلد مسلم (ليس عربيا) ، وبحكم التنقل استأجرت سيارة أجرة (أوبر)، وكلما مررت بشارع فيه مبنى ضخم شامخ ،أسأل سائق التاكسي عن مالك هذا القصر أو تلك المؤسسة ، أو أي من مؤسسات الدولة وشركاتها ،فكان يجيبني ان ملكيتها تعود إلى علي بابا .. أول مرة التزمت الصمت وظننت أن هناك شخصا اسمه او لقبه(علي بابا) ، إلى أن تكررت الإجابة أكثر من مرة ، فوجهت للسائق سؤالا آخر: أي علي بابا تقصد ؟ فكانت الإجابة أنه يعني الحرامية ،الذين يمتلكون مقدرات البلد بيدهم ،” فعددهم محدود لا يتعدى الأربعين حراميا من أعوان علي بابا ، الذين باتوا يمتلكون زمام أمور البلاد والعباد .”

في ذلك البلد ، تولى الابن أخيرا الحكم خلفا لوالده ، تطبيقا لقاعدة الجمهوريات الملكية ، التي تنتشر في العديد من دول العالم التي يجري فيها تطبيق هذه القاعدة ، العربية خاصة ، وغير العربية بشكل محدود ، وهو يسير على نهج والده في الحكم ، وفرض سيطرته على مقدرات البلاد وبترولها.

أخذ السائق يحدثني عن أصل الرواية الخيالية “علي بابا والأربعين حرامي ” ، والتي حسب ما ذهب إليه النقاد أنها احدى حكايات ” ألف ليلة وليلة ” ، وتعود إلى شخصية تاريخية ، أصبح ملهمة للكتاب والفنانين في جميع أنحاء العالم ، وتدعى علي بابا ، وهو أحد ملوك البلاد في غابر الزمان.

علي بابا هذا سمع بالصدفة كلمة السر التي بفضلها تمكن من فتح باب المغارة والحصول على الكنوز المخبأة فيها ، و كانت بين بلاده ودولة مجاورة معاهدة ، فنقضها وأغار عليها ، فنهب وسلب، حتى جاء اليوم الذي هزم فيه علي بابا ، وانتهت اسطورته ، وتوقف النهب ، وتم تمديد المعاهدة رغم رفضها ونفيها .

اشتهر علي بابا ، حسب الرواية التاريخية ، بعلاقته مع ” مرجانة ” ، وهي جارية صديقه ، إلا أنها اختارت علي بابا رغم أنه كان فقيرا وغير مشهور أو معروف ، بل كان مغمورا ، وأصبحت ” مرجانة ” صديقته ، وجاء ذلك اليوم الذي حدث فيه شيء غريب مع علي بابا (ولا بالأحلام )، حيث كان متخفيا ، وشاهد مجموعة من السلف يتوجهون إلى مغارة موجودة في الجبل ، وسمعهم يقولون كلمة السر وهي ” افتح يا سمسم ” ، وما أن قالوا تلك العبارة حتى انشق الجبل ، وفتحت لهم المغارة .

انتظر علي بابا قليلا ليخرجوا من المغارة ، وبعد أن عرف العبارة السرية (افتح يا سمسم ) ، ونطقها حتى فتحت له باب المغارة ، ودخل اليها ليجد كنوزها ، وبدأ يستحوذ على ما يوجد فيها من كنوز ، وبعد أن تذوق طعم المال والغنى ، لم تعد زياراته للمغارة غارة ، ولا بين الحين والآخر ، بل أصبحت عادة ، للاستحواذ على جميع كنوزالمغارة .

لم يكتف علي بابا بذلك ، ولكنه قرر أن يستعين بمرجانة،التي تزوجها ، فكانت ساعده الأيمن في بيع ما يجمعه من ثروات يحصل عليها من المغارة ، وفي أحيان كان يتم خصخصة هذه المقتنيات ليصار إلى بيعها ، لتتقاسم ثمنها مع علي بابا .

وفي أحد الأيام ، تمكنت مرجانة من إقناع علي بابا ،الذي غرق في ثروات المغارة، بأن يسلمها سره ، ويعطيها عبارة المرور إلى المغارة ، وما أن عرفت كلمة السر حتى أصبحت هي المتحكمة بموجودات المغارة ، وأصبح أغلب ما فيها تحت سيطرتها ، وتحت حكمها وتصرفها ، وللأسف علي بابا لجم لسانه ، واستسلم لها ولرغباتها الجامحة التي لم يعد يسيطر عليها ، والأمر لم يتوقف عند ذلك لان مرجانة استعانت بالأربعين حرامي، ليعملون معها ولصالحها بنقل بعض موجودات المغارة من كنوز إلى حسابات خاصة بها، وعرض بعضها للبيع ، والمتبقي للخصخصة ، مقابل عمولة متفق عليها بينها وبين الأربعين حرامي، الذين يعملون لديها ، لتنفيذ رغباتها بامتلاك النقود والجواهر والذهب .

وفي أثناء استرسال السائق بسرد الرواية الخيالية : ” علي بابا والأربعين حرامي ” ، لم اتمالك نفسي من الضحك ، حتى استغرب سائق (الأوبر) ضحكاتي ، وظن أني أستهجنها ، وهو لا يعلم أنها تصلح لكل زمان ومكان ، وتنطبق على كثير من البلاد والعباد ، وهي مكرورة في العديد من الدول ، حتى باتت كأنها ابتكار تمت طباعة عدة نسخ منه في العديد من دول العالم .

بعد الحاح سائق (الأوبر) لمعرفة سبب الضحك ، أخبرته أنه في بلادي لا يوجد لدينا علي بابا والأربعين حرامي ، إنما يوجد لدينا عدة طبعات تحمل العلامة ذاتها ” علي بابا ” ، منها نسخة علي ماما ، وعلي عمتو ، وعلي خالتو ، وعلي الابن ، وعلي الاخ ، وعلي خالو، حتى بات علي القاسم المشترك لكل شيء في بلادي ، إلى جانب التوسع في رقعة الأعمال ، وافتتاح فروع جديدة خاصة بـ ” مرجانة والأربعين حرامي ” الخاصين بها ، إنما نتشابه في عدد الحرامية ، بحيث لا يزيدون على أربعين حرامي ، حتى لا تزيد قسمة الإرادات المالية بين علي بابا ومرجانة والأربعين حرامي، الذين يسرقون لهما ، أو يساعدونهما في السرقة وتسهيل الأمر لهما ، أما بالنسبة لكلمة السر فهي ذاتها : ” افتح يا سمسم ” ، تلك الكلمة السحرية، التي تمكن قائلها من الاستحواذ على ممتلكات الدولة ومقدراتها دون حسيب أو رقيب .. لله دركما يا علي بابا ومرجانة!!!

[email protected]

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد