ساحة التظاهر في طرابلس اللبنانية كرنفال ملون نهاراً ومساحة احتجاج ليلاً

0 217

العالم الآن – خلال ساعات النهار، تتحول ساحة النور في مدينة طرابلس في شمال لبنان إلى كرنفال يستقطب أطفالاً وطلاباً يافعين، قبل أن ترتفع أعداد الوافدين تدريجياً ليلاً وتضج الساحة بهتافاتهم المطالبة برحيل الطبقة السياسية مجتمعة.

في الساحة الواقعة في المدينة المحافظة التي تعد عاصمة الشمال اللبناني، ترتفع قهقهة طالبات يافعات رسم بعضهن العلم اللبناني على وجناتهن النضرة، بعدما قررن ترك قاعات التدريس والمجيء إلى الساحة للمشاركة في التحركات الاحتجاجية.

تلتقط الفتيات صور “السلفي” وخلفهن علم لبنان مرسوم على واجهة مبنى من طبقات عدة يطل على الساحة التي يتوسطها مجسم عملاق لكلمة “الله”، تحتها تعليق “طرابلس قلعة المسلمين”. يتمايل بعضهن وبينهن محجبات على إيقاع موسيقى حماسية يعلو صوتها حيناً ويخفت حيناً آخر. ومع وصول طلاب من مدارس مجاورة، تزداد أعدادهم تدريجياً ويهتفون “ثورة، ثورة”.

وتقول الطالبة نور خضر (17 عاماً) لفرانس برس “ما نتعلمه هنا في الساحة أهم بكثير من المدرسة. نتعلم كيف نصنع مستقبلاً ووطناً”.

وتضيف على وقع هتافات تشجيعية وتصفيق من زميلاتها “نريد أن نتخرج ونجد فرص عمل، لا أن نعلّق شهاداتنا على جدران المنزل”.

ويشهد لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، احتجاجات شعبية غير مسبوقة على أداء الحكومات المتعاقبة وسوء الخدمات العامة وترهل البنى التحتية. ويطالب مئات آلاف المتظاهرين برحيل الطبقة السياسية مجتمعة.

وشهدت طرابلس حراكاً استثنائياً جذب اللبنانيين من كل المناطق اضافة الى عدسات وسائل الاعلام المحلية والعالمية التي اعتادت على مواكبة جولات اقتتال دامية شهدتها المدينة بين مكوناتها خلال السنوات الماضية.

بين الطلاب، يتجول فتيان صغار ييبعون بالونات مزركشة، يجسّد بعضها وجوه شخصيات كرتونية محببة، يحاولون عبرها استمالة أطفال آخرين يتجولون مع أمهاتهم وسط الساحة.

– رسومات وباعة –

ويحمل فتى صغير ممتلئ البنية عبوة طلاء بلاستيكية صغيرة مع ريشة يتفنن عبرها في رسم العلم اللبناني على وجوه أقرانه، بينهم فتاة انتظرت بفارغ الصبر أن ينهي رسمته على وجنتها، بينما تدعو عبارة على قميص قطني أحمر ارتدته الى “الرقص”.

وتحولت ساحة النور مساحة مقفلة أمام السيارات ليلاً ونهاراً، ومفتوحة أمام المارة وسائقي دراجات نارية وهوائية يكثر استخدامها في المدينة حيث يعيش 57 في المئة من السكان عند خط الفقر أو دونه.

وينتشر الباعة الجوالون كالفطر. يعرضون على طاولات صغيرة أو عربات مثبتة فوق دراجات عرانيس ذرة نضجت حبيباتها الصفراء وعبوات عصير طازج، بينما تتسلل رائحة الكعك الطرابلسي الساخن أو القهوة العربية من دون استئذان.

ويتجول بائع شراب العرقسوس كالطاووس في الساحة، مع طربوشه الأحمر وسترة سوداء مقصّبة بخيوط ذهبية. يحمل ابريقاً عملاقاً فضي اللون على ظهره الذي يحنيه كلما أراد سكب العصير للزبائن تحت أشعة شمس حارقة تذكر بطقس الصيف أكثر من الخريف.

على كراس بلاستيكة، يستريح رجال وشبان، بعضهم ينفث دخان سيجارته عالياً وآخرون يدخنون النراجيل، كما لو أنهم يفرغون كل ما في مكنونات صدورهم، في المدينة التي ترتفع معدلات البطالة فيها ويشكو شبان كثيرون من أنهم لا يجدون فرصة عمل يكسبون رزقهم منها.

وشهدت المدينة نزاعات عدّة على مدى عقود، والتحق مئات من أبنائها بالمقاتلين ضد النظام في سوريا المجاورة بعد اندلاع النزاع عام 2011. ولاحقت السلطات اللبنانية مجموعات إسلامية متشددة، وأوقفتهم بتهم التخطيط والمشاركة في عمليات إرهابية واعتداءات في لبنان، أو التوجه إلى سوريا للالتحاق في صفوف التنظيمات الإسلامية.

ويقول شاب ممتلىء البنية ممازحاً، من دون ان يكشف اسمه “من ليس مطلوباً منا بمذكرة توقيف، مطلوب بفاتورة كهرباء أو مياه” قبل أن يكمل طريقه.

– “بيّضت صفحتها” –

مع حلول ساعات الليل، يتوافد شبان ورجال بكثافة إلى الساحة التي تتلألأ أضواؤها تدريجياً ويعتلي منصتها الرئيسية متحدثون لا يعلم المتظاهرون بالضرورة هوياتهم وسط انتشار واضح للجيش اللبناني ومخابراته.

وسرعان ما تبدو الساحة ليلاً قاعة احتفال في الهواء الطلق، يضيء المتجمعون فيها هواتفهم الخلوية ويلوحون بها عالياً كما لو أنها شموع مضاءة. يكررون بعزم هتافات “الشعب يريد إسقاط النظام” و”كلن يعني كلن” ويؤكدون كما تقول لافتة مرفوعة في الساحة انهم “مستمرون لاسقاط رئيس الجمهورية ومجلس النواب” بعد تقديم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالة حكومته تحت ضغط الشارع نهاية الشهر الماضي.

ونالت المدينة لقب “عروس الثورة” بإمتياز. وبخلاف مناطق أخرى، لم تهدأ وتيرة التحركات فيها مع مواظبة المتظاهرين بلا انقطاع على الحضور مساء كل يوم إلى الساحة.

ويجهد شباب المدينة وشيبها لتقديم صورة مغايرة عن طرابلس، وعن حبهم للحياة والفرح والاحتفال بعيداً من الصورة النمطية التي تربط اسم مدينتهم بالتطرف والحروب والفقر.

ويقول نزيه شميسي (30 عاماً)، المتخصص في الفيزياء ولا يجد وظيفة إلا إدارة قهوة صغيرة تحت منزله يقول إنه علّق شهادته على أحد جدرانها “الحمدلله، بيّضت طرابلس صورتها بعد السواد الذي مر على المدينة خلال السنوات الماضية”.

على جدران المبنى المطل على الساحة والذي زيّن رسامو غرافيتي واجهاته بعلم لبناني عملاق، ترتفع شعارات عدة لعل أكثرها تعبيراً “طرابلس مدينة السلام”.
” ا ف ب “

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد