2020… سنة غيّرت العالم

0 218

العالم الان – ما كان أحد ليتصور في 1 يناير (كانون الثاني) الماضي مع مطلع عقد جديد ما تخفيه سنة 2020؟ فقد غيرت العالم كما لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية.

في غضون 12 شهراً شل فيروس «كورونا» المستجد الاقتصاد واجتاح المجتمعات وحجر نحو 4 مليارات إنسان في منازلهم.

وحصد الوباء أرواح أكثر من 1.7 مليون نسمة. وأصيب نحو 80 مليوناً بفيروس «كورونا» المستجد، وهي حصيلة تقل عن العدد الفعلي على الأرجح. وفقد أطفال أهاليهم وأجدادهم، فيما قضى البعض وحيداً في المستشفى مع منع الزيارات بسبب خطر انتقال العدوى.

واحتفل كثير من العائلات بأعياد الميلاد في غياب أحباء مصابين بالمرض، أو ضمن مجموعات صغيرة، في ظل إرشادات صارمة بشكل متزايد للصحة والسفر، خصوصاً بعد اكتشاف سلالة جديدة من الوباء في المملكة المتحدة أشد عدوى.

ويقول ستين فيرموند، عالم الأوبئة المختص بالأمراض المُعدية عميد «كلية الصحة العامة» في جامعة يال: «تجربة الجائحة هذه فريدة في حياة كل شخص على وجه الأرض. فبطريقة أو بأخرى تأثر كل واحد منا بها».

إلا إن «كوفيد 19» ليس أكثر الجوائح فتكاً؛ فقد أودى الطاعون في القرن الرابع عشر بحياة ربع سكان العالم. وقضى ما لا يقل عن 50 مليون شخص في الإنفلونزا الإسبانية بين عامين 1918 و1919، و33 مليوناً جراء مرض الإيدز في غضون 40 عاماً.

لكن للإصابة بفيروس «كورونا» المستجد، يكفي أن يتنفس الشخص في المكان والزمان غير المناسبين.

ويلخص الصيني وان شونهوي (44 عاما) تجربته مع المرض الذي أدخله المستشفى لمدة 17 يوماً: «وصلت إلى أبواب الجحيم وعدت. لقد شاهدت الذين لم يتعافوا وماتوا، وقد ترك ذلك لديّ أثراً عميقاً».

وما كان أحد ليتصور حجم الكارثة عندما أعلنت السلطات الصينية في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2019 تسجيل 27 إصابة بالتهاب رئوي فيروسي في ووهان بوسط الصين.

غداة ذلك، أغلقت السلطات سوق الحيوانات الحية في ووهان للاشتباه بارتباطها بظهور الفيروس.

في 7 يناير الماضي، أعلن المسؤولون الصينيون تحديد فيروس جديد سمي «2019 – إن كوف». وفي 11 من الشهر نفسه أبلغت الصين عن أول وفاة في ووهان. وفي غضون أيام قليلة بدأ تسجل إصابات في آسيا وفرنسا والولايات المتحدة.

في نهاية يناير، باشرت الدول إجلاء مواطنيها من الصين، وبدأت الحدود تغلق، فيما وُضع المقيمون في ووهان بإقليم هوباي الذين يزيد عددهم على 50 مليوناً، في الحجر الصحي.

وتشهد صور التقطتها وكالة الصحافة الفرنسية لرجل ميت على رصيف في ووهان والكمامة على فمه وكيس بلاستيكي في يده، على الرعب الذي لف المدينة مع أن أي مسؤول لم يؤكد مطلقاً السبب المحدد لوفاته.

عندما رست سفينة «دايموند برينسيس» السياحية في اليابان مطلع فبراير (شباط) الماضي تبين أن أكثر من 700 من ركابها أصيبوا بالفيروس، وتوفي 13 منهم.

وعمّ الرعب العالم، وبدأ السباق إلى تطوير لقاح. ووضعت شركة «بايونتيك» الألمانية الصغيرة جنباً أبحاثها حول مرض السرطان، للتركيز على مشروع جديد سمته «سرعة البرق».

في 11 فبراير، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن اسم الوباء هو «كوفيد 19». وبعد 4 أيام على ذلك أعلنت فرنسا تسجيل أول وفاة خارج آسيا. وانتاب الرعب أوروبا مع تحول شمال إيطاليا إلى بؤرة للمرض في القارة القديمة.

في مارس (آذار)، تحدث أورلاندو غالدي، رئيس بلدية فيرتوفا في منطقة لومبارديا حيث توفي 36 شخصاً في غضون 25 يوماً، عن اليأس الذي ينتابه بقوله: «من العبث أن نرى في عام 2020 جائحة مماثلة أسوأ من الحرب».

وفرضت إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا الإغلاق التام. وأعلنت منظمة الصحة العالمية «كوفيد19» جائحة. وأوصدت الولايات المتحدة حدودها المغلقة أساساً مع الصين، أمام غالبية الدول الأوروبية. وللمرة الأولى في زمن السلم أرجئت الألعاب الأولمبية.

في منتصف أبريل (نيسان) كان 3.9 مليار شخص؛ أي نصف البشرية، يعيشون في ظل شكل من أشكال الإغلاق. من باريس إلى نيويورك، ومروراً بنيودلهي ولاغوس ولندن وبوينس آيريس، لم يكن يخترق صمت الشوارع المقفرة، إلا صفارات سيارات الإسعاف مذكرة بأن الموت بالمرصاد.

منذ عقود، كان العلماء يحذرون من احتمال حدوث جائحة عالمية، إلا إن مخاوفهم هذه لم تلق آذاناً صاغية. ومع هذا الوباء، باتت أكبر الدول ثراء عاجزة أمام هذا العدو الخفي.

وفي الاقتصاد المعولم، أدى توقف شبكات الإمداد إلى انقضاض المستهلكين المذعورين على المتاجر الكبيرة.

وظهرت جلية نتائج النقص المزمن في الاستثمار بالمنشآت الصحية مع مستشفيات تكافح من أجل استمرار عمل أقسام العناية المركزة فيها التي تجاوز عدد المرضى فيها قدرتها على الاستيعاب. وراحت طواقم تعاني أصلاً من انخفاض الأجور، تخوض المعركة من دون وسائل الوقاية الضرورية.

وقال نيليما فايدا بامار؛ الطبيب في بومباي: «حصلت على شهادتي في عام 1994، وكانت المستشفيات الرسمية مهملة منذ ذلك الحين». وتساءل: «لما احتاج الناس إلى جائحة ليستيقظوا؟». والهند ثالث أكثر الدول تضرراً من الجائحة بعد الولايات المتحدة والبرازيل.

في نيويورك التي تضم أكبر عدد من أصحاب المليارات في العالم، التقطت صور لطواقم طبية يرتدي أفرادها أكياس قمامة للوقاية من الفيروس. وقد أقيم مستشفى ميداني في وسط «سنترال بارك»، ومقابر جماعية على جزيرة هارت آيلاند قبالة حي برونكس في المدينة.

وقال فيرجيليو نيتو، رئيس بلدية ماناوس في البرازيل: «الأمر أشبه بفيلم رعب. لا يمكننا التحدث بعد الآن عن حالة طوارئ. إنها كارثة مطلقة» وتكدست الجثث في شاحنات مبردة بانتظار أن تحفر جرافات مقابر جماعية ضخمة.

وراحت الشركات تقفل وكذلك المدارس والجامعات. وأُلغيت اللقاءات الرياضية. وباتت حركة الملاحة الجوية المدنية شبه متوقفة؛ شاهدة على أسوأ أزمة في تاريخها. وأقفلت المتاجر والحانات والنوادي والمطاعم أبوابها. وفي إسبانيا فرضت إجراءات إغلاق صارمة جداً منع خلالها حتى الأطفال من الخروج. ووجد الناس أنفسهم عالقين في شقق صغيرة جداً أحياناً لأسابيع عدة.

وبدأ العمل من المنزل للأشخاص القادرين على ذلك. وحلت مؤتمرات الفيديو مكان اجتماعات العمل والسفر والاحتفالات، فيما عرّض الأشخاص الذين تتطلب وظيفتهم حضورهم شخصياً حياتهم أو منصبهم للخطر. ففي مايو (أيار) الماضي كانت الجائحة قد تسببت في خسارة 20 مليون شخص أعمالهم في الولايات لمتحدة.

ويتوقع البنك الدولي في عام 2021 أن يغرق 150 مليون شخص في الفقر المدقع بسبب الركود الاقتصادي. وقد تفاقم التفاوت الاجتماعي المسجل منذ سنوات.

وبات العناق والمصافحة والقبلات مجرد ذكرى، فيما تبادل الحديث يحدث عبر الكمامات وواقيات البليكسيغلاس.

وارتفع مستوى العنف الأسري وكذلك المشكلات النفسية. وفيما لجأ سكان المدن الميسورون إلى منازل أخرى يملكونها في الريف أو على الساحل، راحت الحكومات تتخبط أمام حجم الأزمة، فيما الغضب يعتمل لدى الأشخاص العالقين في المدن.

أصبحت الولايات المتحدة التي تتمتع بأكبر اقتصاد عالمي من دون أن يؤمن ذلك تغطية صحية للجميع، سريعاً أكثر الدول تضرراً من الجائحة مع أكثر من 300 ألف حالة وفاة، إلا أن الرئيس دونالد ترمب خفف بانتظام من تهديد المرض مروجاً لعلاجات لم تثبت فاعليتها، مثل الهيدروكسيكلوروكين، ومقترحاً أيضا معالجة الإصابة بماء الجافيل.

في مايو، أطلقت الحكومة الأميركية عملية «وارب سبيد» التي خصصت 11 مليار دولار لتطوير لقاح بحلول السنة الحالية. وعدّ ترمب ذلك أكبر جهد أميركي منذ تطوير القنبلة الذرية خلال الحرب العالمية الثانية.

لكن لا الأغنياء ولا النافذين يمكنهم شراء مناعة ضد الفيروس، فأصيب ترمب بالفيروس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقبله نظيره البرازيلي جايير بولسونارو في يوليو (تموز) الماضي. وأمضى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون 3 أيام بالعناية المركزة في أبريل.

وأصيب بالفيروس الممثل توم هانكس وزوجته ريتا ويلسون، وأيضاً نجم كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو، وبطل كرة المضرب نوفاك ديوكوفيتش، والمغنية مادونا، والأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا، وأمير موناكو ألبير الثاني.

ومع اقتراب نهاية العام، بدأت أولى اللقاحات تطرح في الأسواق مع أنها أتت متأخرة لإنقاذ ترمب من هزيمة انتخابية في مواجهة الديمقراطي جو بايدن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وأعلنت مختبرات «فايزر» الأميركية العملاقة مع شريكتها «بايونتيك» الألمانية تطوير لقاح فعال بنسبة «90 في المائة». وسارعت الحكومات لضمان مخزون من هذه اللقاحات. وبعد أسبوع على ذلك، أعلنت شركة «موديرنا» الأميركية لقاحاً فعالاً بنسبة 95 في المائة.

وتستعد الحكومات لتلقيح ملايين الأشخاص بدءاً بالمسنين وأفراد الطواقم الطبية والفئات الضعيفة، قبل أن توسع نطاق التطعيم ليشمل السكان كلهم وهو السبيل الوحيد لعودة لحياة إلى طبيعتها.

في ديسمبر (كانون الأول) الحالي أصبحت بريطانيا أول بلد غربي يرخص للقاح «فايزر – بايونتيك»، وكانت قبلها روسيا والصين باشرتا حملات تطعيم بلقاح خاص بكل منهما.

وبعدها باشرت الولايات المتحدة التلقيح، فيما أعطت أوروبا الضوء الأخضر للقاح «فايزر – بايونتيك».

ومع تهافت أكثر الدول ثراء على شراء اللقاحات، يتوقع أن تشهد بداية عام 2021 منافسة دولية على اللقاحات. فستجهد كل من الصين وروسيا للترويج للقاحها الأفضل سعراً، خصوصاً في أفريقيا وأميركا اللاتينية.

ومن الصعب راهناً تقدير الأثر الدائم الذي ستتركه الجائحة على المجتمعات. فبعض الخبراء يرون أن التوصل إلى مناعة جماعية يحتاج إلى سنوات، فيما يراهن آخرون على عودة الوضع إلى طبيعته في منتصف 2021.

ويرى البعض أن الجائحة قد تؤدي إلى نهج أكثر مرونة بشأن العمل من بُعد أو حتى إلى نقل جزئي لسلاسل الإنتاج.

في المقابل، يرى آخرون أن الخشية من التجمعات الكبيرة ستكون لها تبعات عميقة على وسائل النقل والسياحة والمناسبات الرياضية والثقافية.

ويشكل تأثير ذلك على الحريات المدنية مصدر قلق آخر أيضاً. ويفيد محللون في «فريدوم هاوس» بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان تراجعت في 80 دولة في إطار الاستجابة للفيروس.

ويتوقع ستين فيرموند من جامعة يال «تغييرات عميقة في المجتمعات».

وإذا أصبح العمل من بُعد القاعدة في قطاع الخدمات، فماذا سيحل بسوق العقارات في وسط المدن؟ هل سيتراجع عدد السكان في المراكز الحضرية مع انتقال كثيرين إلى فسحات واسعة مع سعيهم إلى تجنب وسائل النقل المكتظة؟

ويتوقع أن يتعرض الاقتصاد العالمي لخضات جديدة؛ فقد أعرب صندوق النقد الدولي عن قلقه من حدوث ركود أسوأ من ذلك الذي تلا الأزمة المالية في 2008؛ إلا إن كثيرين يعدّون أن الجائحة تحمل كارثة أكثر دماراً واستدامة.

ويحذر لويس دارتنيل، الخبير في علم الأحياء الفلكي وصاحب موسوعة «حول الكوارث والقدرة على الصمود»: «(كوفيد19) شبيه بموجة عارمة ضربتنا، لكن يتراءى خلفها تسونامي التغير المناخي والاحترار».
” الشرق الاوسط”

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد