
ناعمة وطريّة ، التعديلات الدستورية. – أيمن الخطيب.
العالم الان – بعد ماراثون طويل من جلسات نقاش التعديلات الدستورية التي شهدتها مؤسسة ” العبدلي ” ، والبالغ عددها 30 بندا ،
أنهى المجلس نقاشه وسط مسرحيات الرفض واللكم والضرب، بموافقة أغلبية أعضائه 104 نائبا من أصل 112 حضروا الجلسات.
تلك التعديلات الناعمة والطرية في بنائها ومضامينها، أقرتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية العام الماضي ، وهي لجنة شُكلّت لا لتعديل الوضع القائم في الأردن ؛ بقدر ارسائها أرضية اجتماعية سياسية لشكل الاردن الجديد في مئويته الثانية ، والذي بدأ الحديث عنه – الأردن الجديد – بزخم داخل الخطاب الثقافي السياسي الرسمي مؤخراً
ثم تسلمتها حكومة الخصاونة لتجري عليها تعديلات طفيفة تحت عنوان حفظ ماء الحكومة الذي أريق في اللحظة التي تم اسستثنائها من عمل اللجنة.
وبعيداً عن الجلبة التي اجتاحات الرأي العالم والصالونات السياسية وأندية التحليل ، والتي تمحورت حول اضافة بند الأردنيات، ومحاولة البعض لتسويق التعديل أنه استهداف للهوية الوطنية، ويحدث على ايقاع التجنيس الذي ينتهي بالوطن البديل، وتناسيهم لباقي التعديلات؛
فإن القراءة السياسية اليوم لمجمل التعديلات عليها أن تكون أكثر هدوءاً وعقلانية ، لأن ما يحدث أعمق مما نتصور.
ثمة أردن قام قبل مئة عاما تحت عنوان الإمارة، واجهت فيه الدولة الناشئة آنذاك تحديات هائلة في صياغة الزمن والمكان الوطني والذات الوطنية،
وفي مرحلة الكولينال / الانتداب البريطاني ثم الاستقلال / عهد الملكية أو الاستقلال الوطني /
لجأت الدولة الاردنية الى المؤسستين العسكرية والقانونية في تثبيت أعمدة الدولة ونسج علاقتها مع المواطن،
ذلك أن تلك المؤسستين ليستا فقط جزء من جهاز الدولة القمعي الضبطي ؛ بل ايضا جزءاً من جهاز الدولة الأيديولوجي، أي أنهما تقومان بعمل مزدوج في تشكيل الذات الوطنية.
وبعد مائة عام ، لجأت الدولة الى ذات المؤسستين ضمن مساعيها للتهيئة للاردن الجديد، وصياغة هوية الدولة الجديدة وهوية أفراده الجدد،
فقد جاءت حكومة الخصاونة بفريق عمل أغلبيته من خلفية قانونية وأمنية ، وتشكل مجلس نواب في ظرف حساس من عمر الدولة الاردنية، ايضا بخلفية قانونية ومتقاعدين عسكريين مع بعض وجوه رأس المالي المحلي المتحالف مع السلطة.
وعليه فإن مهمة الحكومة ومجلس الأمة / تمرير التعديلات على يد الحاضنة الرئيسة الكبرى للدولة
” العشائر” / أنجزت كما أريد لها ، وسط توقعات بحل المجلس قريبا ورحيل الحكومة.
التقدير السياسي في تحليل الميزان القائم في الأردن، يذهب برأيي ،
الى أن الاردن من حيث كونه دولة استجابة، يفي بالتزامه بتنفيذ حزمة من الإصلاحات السياسية والإدارية نزولا عند رغبة المانحين وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي وهو ما تؤكده الزيارات المكوكية للخارجية الارنية الى العواصم الاوروبية المتعددة ، وايضا امريكا التي اشترطت إجراءات اصلاحية ملموسة لقاء المنح الامريكية المقررة على خمس دفعات وحديث بايدن اثناء اداءه القسم الرئاسي ،” بعدم تقدم مساعدات للدول الا بعد تنفيذها لكل ما يتعلق بمبادئ حقوق الإنسان التي تتبناها امريكا”؛
كل ذلك استعدادا لاستحقاقات ضخمة، قد يتضمن منها تبدلات جوهرية في مراكز القرار.
سند الأدلة حول ذلك ” دامغا” ، فالتعديلات التي طالت قانوني الانتخاب والأحزاب وخفض سن الترشح ل 25 عاما ؛ يعني رغبة الدولة بتوسيع قاعدتها والتخلص من حواضنها الكلاسيكية لصالح حواضن جديدة تساند الاسماء الجديدة في حكم الدولة قريبا.
كما أن التعديل المفضي لانشاء مجلس قومي ، يسند له إدارة الشؤون العليا والذي يضم في عضويته كل من جلالة الملك وقائد الجيش ومدير المخابرات العامة ومدير الامن العام ورئيس الوزراء بصفته وزير الدفاع؛
يعني أن النظام يسعى لممارسة السلطة خارج مؤسسات الدولة الثلاث ، وهو ما يرجح تحول في شكل الأردن الى دولة حاضنة والمواطنين فيها الى مجوعات أهالي ورعايا وسكان.
في المحصلة ، لا يختلف عاقلان على أن التعديلات تمثل انهاءً لخدمات دستور عام 1952 وما يتعلق به من نظام حكم ملكي نيابي وراثي،
وتدشينا لمرحلة جديدة ستبدأ ملامحها بالظهور قريبا.