اتفاق الأردن “الماء مقابل الكهرباء” مع إسرائيل.. الخلفيات والمسارات وظروف التوقيت

0 230

العالم الان – بوساطة : مصطفى العر

مشروع تبادل الطاقة “الماء مقابل الكهرباء” بين الأردن وإسرائيل، ما يزال يلقي بظلاله على المشهد السياسي في الأردن، وبهذا الصدد تؤكدّ المصادر أنّ الأردن والإمارات وإسرائيل، يمضون قُدما في تدشين مشروع ثلاثي ضخم للطاقة والمياه، تولّد بموجبه طاقة كهربائية من الطاقة الشمسية في الأردن، بتمويل إماراتي، لتُباع لإسرائيل، وتدفع هذه الأخيرة بالمقابل 180 مليون دولار للأردن والإمارات مناصفة، على أن تقوم تل أبيب بإنشاء محطات لتحلية مياه البحر الأبيض شمالا، وتزويد الأردن بحاجته من المياه النقية.

البعض يرى أنّ أبعاد هذه الخطوة تدخل ضمن إطار إعادة الأردن لعلاقاتها مع اليمين المتطرف، وتأتي في إطار تقديم رغبة الأردن استعادة علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بعد أن كان صعود اليمين المتطرف مرة أخرى يشكل قلقا للعاهل الأردني، فاضطر إلى التقدم خطوة في علاقته مع الجانب الإسرائيلي.

دخول الإمارات على الخط ورعايتها لمثل هذا الاتفاق، يحمل أبعاد ومؤشرات سياسية على رغبة أبو ظبي لدفع عمّان نحو التطبيع أكثر في علاقاتها مع إسرائيل، خصوصا وأنّ الأردن لم تبدي مرونة كبيرة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في علاقاتها مع الجانب الإسرائيلي وتحديدا مع حكومة اليمين المتطرف التي تسير أكثر نحو التطرف الديني.

سياقات الاتفاق

اتفاقية تبادل الطاقة الشمسية المنتجة في الأردن، جاءت مقابل المياه من إسرائيل في سياقات تبادل مصالح بين الجانبين رغم أنّ حاجة إسرائيل للطاقة التي ستصدر إليها من الأردن لا تشكل سوى 3 بالمئة من حجم الطاقة التي تستهلكها إسرائيل، في حين أنّ كمية المياه المفترض تزويدها للأردن مقابل ذلك تغطي ما نسبته 18 بالمئة من حجم استهلاك الأردن للمياه، وهذا ما يشير إليه الخبير الأمني والاستراتيجي عمر الرداد في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”، مؤكدا بأنّ “الأردن ضمن حسابات براغماتية مستفيد من الاتفاق، إذ لن يدفع أثمان المياه مما ستدفعه إسرائيل من ثمن الكهرباء الأردنية، وهي مسألة مهمة لعمان في ظل عجز مزمن في المالية العامة، خاصة بعد خفض المساعدات المالية المقدمة له.”

أما في جوانب التطبيع فإنّ سياقات الاتفاق حسب رؤية الرداد، جاءت برعاية إماراتية بعد توقيعها اتفاق سلام مع إسرائيل، فهي مسألة تعني الإمارات، مشيرا إلى أنّ الحديث عن أنّ الأردن بهذا الاتفاق، يهدف لإعادة علاقاته مع اليمين الاسرائيلي المتطرف، يبدو أنّه غير دقيق لسبب بسيط وهو، أنّ “التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق تمّ قبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وتحديدا في عهد حكومتي بينيت-لابيد”، بحسب تعبيره.

الرداد استبعد أنّ يرسل هذا الاتفاق رسائل إيجابية تعكس رغبة أردنية للتقرب من اليمين الإسرائيلي المتطرف، لا سيما وأنّ مواقف الأردن واضحة تجاه هذا اليمين، وتحذر من سياساته التصعيدية القادمة.

رعاية الإمارات لهذا الاتفاق وتمويله الذي لا يزال في مراحله الأولى، وفق الرداد، يرتبط بتطلعات أبوظبي لتحقيق إنجازات حقيقية على الأرض، تتفق مع استراتيجيتها في فهمها للسلام مع إسرائيل، وبالتزامن فإنّ القيادة الإماراتية ترتبط بعلاقات وثيقة جدا مع القيادة الأردنية، وتُعدّ من أبرز الدول العربية الداعمة للأردن.

من هنا فإنّ هذا المشروع ليس هو الأول من نوعه بل هناك مشاريع اقتصادية كبرى في المنطقة تمّ الإعلان عنها على غرار هذا الاتفاق، ومنها اتفاق الغاز المصري، والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا، بالإضافة لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وبموافقة “حزب الله” اللبناني،

مثل هذه الاتفاقيات والمشاريع ستُسهم في تخفيض مستويات التصعيد في المنطقة، بحسب الرداد، وتجعل أصحاب القرار أكثر حذرا في شن الحروب، وهي تمثل جزءا من رؤى أميركية وغربية للمنطقة، في أهمية السلام الاقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل.

أطراف أردنية ضد الاتفاقية

أطراف أردنية أخرى تؤكدّ بالمقابل أنّها ضد مثل هذا النوع من الاتفاقيات خصوصا، وأنّها تشكل بحسب رؤيتهم تطبيعا مع كيان محتل يتمثل في الجاب الإسرائيلي، وهذا يؤكدّ عليه عضو مجلس النواب موسى هنطش لـ”الحل نت”، الذي يرى بأنّه ليس مع أي تبادل تجاري أو معلوماتي استخباري أو اتفاقيات متعلقة بمصادر الطاقة والمياه مع إسرائيل.

الأردن لديه فائض كهرباء ما يقارب 1200 ميغاواط، بحسب هنطش، معتبرا بأنّ قرار المشروع، هو قرارا إماراتي وليس أردني. إنتاج الأردن من الكهرباء يبلغ 4500 ميغاوات، بينما الاستهلاك لا يتجاوز 3300 ميغاوات، ويبلغ الفائض نحو 1200 ميغاواط.

الأردن صدر 60 ميغاواط إلى الضفة الغربية في 2021، وارتفع إلى 80 ميغاواط، كما وقّع في شباط/فبراير الفائت اتفاقا مع لبنان لتصدير 250 ميغاوات.

النائب الأردني موسى هنطش، يكشف أن الأردن أُجبر إجبارا على توقيع الاتفاقية الأخيرة، ليس من إسرائيل بل من الإمارات التي يرى أنّها سقطت في فخ التطبيع مع إسرائيل، وتريد إسقاط الأردن باعتبارها أهم دولة بالنسبة للفلسطينيين على حد وصفه، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الأردن خاضعة للمساعدات الأميركية.
مثل هذا التوجه له أبعاد داخلية وخارجية، بحسب هنطش، حيث تتمثل الأبعاد الداخلية في منظومة الفساد في الأردن التي أنهكته، والبعد الخارجي يتمثل في دخول الولايات المتحدة على الخط والإمارات في نفس الوقت.

الشعب الأردني ومؤسساته ومجلس النواب جميعهم مجمعون على كراهية التطبيع مع إسرائيل وفق هنطش، ويقفون موقف الرفض في التعامل معه، كاشفا على أنّ هذا الأمر دار بينه وبين وزير المياه ووزير الطاقة الأردنيان، اللذان بحسب ما يؤكده هنطش ليسوا طرفا في الأصل بهذا الأمر، وغير مقتنعين في ذلك، وإنّما هي إلزام وإملاءات خارجية، على شاكلة اتفاقية الغاز التي وقّعتها الأردن لشراء الغاز مع إسرائيل.

مقابل المساعدات

الأردن ليس بحاجه إلى كهرباء ولا مياه من إسرائيل، وفق حديث الخبير العسكري الأردني جلال العبادي، لـ”الحل نت”، وكذلك فإنّ الجائب الإسرائيلي لا يحتاج إلى الكهرباء ممن وصفها بـ”الصحراء الأردنية”. إسرائيل لديها صحراء “النقب” التي تعدّ مساحة شاسعة يمكن استغلالها في مشاريع الطاقة وتوليد الكهرباء، مؤكدا بأنّ “الاتفاقية الأخيرة تمّ فرضها على الأردن، مقابل مساعدات أميركية وأوروبية وقروض تحت وساطة إماراتية، لتوجيه الأردن نحو حالة التطبيع الكاملة.

الحكومة الأردنية تعتمد في دعم موازنتها على المساعدات الأميركية السنوية منها، بحسب العبادي، ما تمّ مؤخرا التوقيع على اتفاقية منحة أميركية سنوية لدعم الموازنة الأردنية بقيمة 845.1 مليون دولار.

كان الكونغرس الأميركي، قد وافق على تخصيص 1,650 مليار دولار كمنحة للأردن، ضمن موازنة الولايات المتحدة للعام 2022، إضافة إلى 425 مليون دولار كمساعدات عسكرية.

الإمارات تحاول إقناع اسرائيل أنّ لها قوة ضاغطه على الأردن، في مقابل أّن الأخيرة تريد قروض ومساعدات من الإمارات، وذلك في إطار المصلحة المتبادلة، حيث أنّ الإمارات تمول مشاريع في الأردن وتقدم مساعدات وقروض ميسّره للأردن سنويا، بحسب العبادي.

اتفاقية “النوايا“

دخول الإمارات على هذا الخط يدخل في إطار وساطة حالية ما بين الحكومة اليمنية المتطرفة الإسرائيلية التي يشكلها بنيامين نتنياهو والأردن، فالإمارات تضغط على الأردن للتعايش مع حكومة اليمين المتطرف الجديدة الدينية، وهذا ما يكشف عنه المحامي الأردني وعضو المكتب السياسي للحركة الشعبية في الأردن محمد الروسان، في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”.

اتفاقية “النوايا” التي تأتي في إطار أكثر من اتفاق، فهي ليست فقط الاتفاق المتعلق بالكهرباء مقابل الماء التي رعته الإمارات كونها تقوم بالواسطة، بحسب الروسان، حيث إنّ وجودها في هذه الوساطة ولعبها دور مهم، هو لدفع للأردن إلى التعايش على فراش واحد مع اليمين المتطرف الديني الإسرائيلي، وفق تعبيره.
لكنّ الدولة العميقة الأردنية بحسب رؤية الروسان، ترفض ذلك والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يرفض ذلك والقوى الشعبية السياسية الأردنية ترفض التعايش مع هذه اليمين المتطرف.

حتى هذه اللحظة لا توجد استراتيجية أردنية واضحة للتعامل مع الحكومة الدينية المتطرفة القادمة في إسرائيل، والأدوات السياسية والفكرية الموجودة في الدولة الأردنية غير فاعلة، ولا يمكن التعامل مع هذه الحكومة الإسرائيلية ذات الطابع الديني المتطرفة عبر الأدوات السياسية الأردنية كونها أدوات بالية لابدّ من إعادة إنتاجها من جديد.

بوتين يفقد دعم الشعب الروسي في غزوه لأوكرانيا.. الأسباب والمآلات
هجمات “داعش” في كابل.. إثبات لتوسع التنظيم أم مقدمة لحرب مع باكستان؟
هل تنجح قمة “إيكواس” بإنشاء قوة إقليمية للتدخل ضد الإرهاب والانقلابات؟
وصول القوات السورية إلى مناطق النفوذ التركي.. حصيلة تطبيع أنقرة مع دمشق؟
رسائل استباقية لحكومة نتنياهو.. إلى أين يتجه مسار الحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد