تخلّي الدولة وغياب القانون يسببان الفوضى وانهيار القيم

0 306

خاص العالم الآن – شروق طومار – ثلاث وقائعٍ، خلال أقل من أربعٍ وعشرين ساعة، لأعمال شغبٍ واعتداءات على رموز تربوية وتعليمية هزت الشارع الأردني وأشعلت مخاوفة من انهيار واقع ومستقبل العملية التعليمية والمنظومة الأخلاقية في الأردن، واعتبرها مختصون ومتابعون مؤشراً على غياب سيادة القانون وتراجع دور الدولة ومؤسساتها.

مدرسة الفيصلية للبنين بمدينة مادبا كانت موقع الحادثة الأولى. ففي أول أيام هذا العام الدراسي، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عدة فيديوهات لمجموعة من طلبة المدرسة، يجوبون أروقتها في حالة فوضى عارمة من الصراخ والتخبيط بالأيدي والأرجل والاعتداء على سيارة مدير المدرسة وتكسير ممتلكاتها. وقد غابالمعلمون بشكل تام عن كل تلك المشاهد.

وكانت الحادثة الثانية في جامعة آل البيت في مدينة المفرق صباح يوم الإثنين، حيث أظهر مقطع فيديو صادم العشرات من موظفي الجامعةيقتحمون مكتب رئيسها ويطردونه من المكتب مرددين عبارات غاضبة احتجاجاً منهم على إعادة تسميته رئيساً للجامعة. وانتهي المشهد بخروج الرئيس بالفعل من مكتبه ثم من مبنى رئاسة الجامعة، بينما هتف الموظفون المتجمهرون “إرحل..إرحل…بره..لا ترجع”.

أما الحادثة الثالثة، فوقعت مساء الإثنين في إحدى مدارس قضاء الضليل التابعة لتربية الزرقاء، حيث قام مجموعة من أهالي المنطقة بتكسيرمكاتب إدارة المدرسة والاعتداء بالألفاظ البذيئة على المديرة والمعلمات، وإخراج  الطالبات من الصفوف ورمي المقاعد من على أدراج المدرسة بعد تأدية امتحان الإكمال لبعض المواد، حسبما ذكر بيان صادر عن نقابة المعلمين.

وفي تصريحات لوسائل إعلام أردنية قدمها مسؤولون في الجهات المعنية عن هذه الحوادث، قالمدير التربية والتعليم للواء قصبة مادبا محمد سند المسلم “أن أحداث الشغب في مدرسة الفيصلية جاءت بسبب رفض الطلبة تعيين مدير جديد في المدرسة، وتم تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على أسبابها وتحديد المتسببين بها”.

وأدان وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عادل الطويسي حادثة اقتحام مكتب رئيس جامعة آل البيت وإجباره على مغادرة الجامعة، وقال “أن الوزارة تتعامل مع الحادثة على أنها اعتداء على موظف عامّ أثناء عمله الرسمي، مشيراً إلى أنه خاطب الجهات المعنية حول ذلك فيما يُتابع وزير الداخلية القضية بنفسه.

من جهته أكد مدير تربية الزرقاء الثانية محمد الجبور رفض المديرية أي اعتداء على الكوادر التعليمية أو محاولة للمساس بهيبتهم. مضيفاً أن مديرة المدرسة تقدمت بشكوى رسمية للجهات المختصة وأرسلت نسخة من الشكوى لمديرية التربية لمتابعتها مع الجهات المختصة.

وفي أعقاب هذه الحوادث المتتالية سادت مواقع التواصل الاجتماعي موجه من الاستنكار والاستياء والتخوّف.

وأكد مختصون وكتاب مقالات في الصحف الأردنية على ضرورة الوقوف على أسباب تلك الممارسات واتخاذ الإجراءات الرادعة والكفيلة بعلاجها والقضاء عليها.

وقال منسق الحملة الوطنية للدفاع عن حقوق الطلبة فاخر دعاس لــ”العالم الآن”: “أن ما حدث ناجم عن تخلي الحكومات المتعاقبة عن مسؤولياتها تجاه قطاع التعليم، وانتهاج سياسات همها الأول تخفيض نفقات هذا القطاع على حساب العملية التعليمية ومخرجاتها، واستخدام الجامعات الرسمية بالعموم وجامعات الأطراف بالخصوص كأداة للتنفيعات وشراء الذمم والمحسوبية“.

وأضاف دعاس: “ لا يمكن الحديث عن هيبة الدولة في ظل حكومات لا تمتلك ولاية عامة ومجلس نواب غير مستقل وغير قادر على القيام بدوره، وهذه كلها أسباب أدت وستؤدي في حال استمرارها إلى مزيد من الخراب في هذا القطاع الذي ينعكس حاله على حال ومستقبل المجتمع والوطن”.

مؤكدا على أن تصويب هذا الحال المتردي لا يتم إلا من خلال إعادة النظر بالنهج السياسي والاقتصادي كاملاً وإعطاء قطاع التعليم أولوية في السياسات الحكومية“.

وأوضح أستاذ علم الاجتماع والجريمة د. حسين محادين في حديثه لــ”العالم الآن”: “أن استقواء المجتمع المحلي على قيم الدولة وعلى قرارات الجهات المختصة في صنع القرار الإداري بناءً على أسس جهوية أو مناطقية يقود إلى الاعتداء على هيبة الدولة، كما أن انتشار الواسطة والمحسوبية والتدخلات النيابية في القرار والتساهل في محاسبة المخطئين ساهم في إضعاف تطبيق القانون”.

وأضافأن ما يعانيه المجتمع من توتر اجتماعي واقتصادي منذ أن بدأ الأردن في التسعينيات ببرامج الخصخصة دون أن يكون لدينا اقتصاد اجتماعي يحمي الشرائح الفقيرة من نهش رأس المال الذي يمتلكه قلة متنفذة في مجتمع اعتاد منذ تأسيس الدولة على مفهوم الريعية والاعتماد على القطاع العام، وارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب، والتحديات المتمثلة في فجوات التنمية بين العاصمة والمحافظات، وبين داخل المحافظات والأطراف، كلها عوامل تؤدي إلى توتر المجتمع وتولد الغليان الذي يدفع البعض للعنف والتطرف والجرأة على محددات القانون”.  

وحول الأسباب المؤدية للعنف أورد الكاتب في جريدة الرأي زياد الرباعي عدداً من الأسئلة، كان منها: “هل العدالة الغائبة هي التي تسبب العنف؟ أم انعدام القانون وتفعيله عند الحاجة، أم هي أسس القبول الجامعي، أم أسس الرسوب والإكمال، أم الترقيات الجامعية والتعيينات، أم عدم جدية الدراسة وكثرة أوقات الفراغ، أم الضائقة الماليةالتي يعاني منها المجتمع”.

ووصف الكاتب في جريدة الغد موفق ملكاوي ما حدث في جامعة آل البيت بأنه “يمثل اعتداءًصارخاً على الجسم الأكاديمي الأردني بمجمله، ويتطلب احتجاجاً قوياً من قبل الأكاديميين، كما يتطلب إجراءات رادعة من قبل الدولة الأردنية“، مشيراً إلى أن الخلل يكمن في “غياب القانون، وغياب مجتمع المواطنة”.

وكتب الكاتب في نفس الجريدة فهد الخيطانسطوة القوى الاجتماعية أشد فعلاً من سلطة القانون وما من أحد يرغب بالالتفات إلى الحقائق المتراكمة من قصص الفشل، فكل الحكومات تمضي على الطريق نفسه ولا ترغب بمواجهة الحال المتردي لجامعات الأطراف الحكومية.

أما الكاتب في جريدة الدستور رمزي الغزوي فلم يصدمه فيديو طلاب القادسية كاتباً “لدينا من المقدمات ما يفضي إلى هذه النتيجة” مشيراً إلى أن هؤلاء الطلبة متشبعين بالعنف نتيجة تبديد عطلتهم الصيفية بالألعاب الإلكترونية المليئة بالعنف والتدمير والتفجير، مضيفاً: “على عاتقنا حمل كبير يتمثل في كيف نعالج هؤلاء وإلا سنجد أكثرهم في مستنقعات الجريمة والمخدرات والشذوذ... هذه مهمة كبرى لا تستطيع المدرسة والأهل وحدهما الضلوع بها. هذه مشكلة دولة ووطن.

مقالات ذات الصلة

اترك رد