تجاذبات وصراعات إقليمية ودولية تزيد من تعقيد مشهد ما بعد الإنتخابات العراقية -سهاد طالباني – كردستان

0 850

 

بداية دعونا نتفق انه لا يمكن لعاقل ان يتحدث عن الشأن الداخلي العراقي بمعزل عن تأثير القوى الدولية والإقليمية، فمنذ عقود وحتى قبل سقوط نظام البعث كان العراق مسرحا للتدخلات والتأثيرات الدولية والإقليمية بشكل مباشر او غير مباشر، هذه التأثيرات كان لها دور واضح ومؤثر في شكل الحكومات التي تولت زمام الأمور في بغداد منذ تشكيل مجلس الحكم والجمعية الوطنية مرورا بكافة الانتخابات التي جرت في العراق منذ العام 2004 وحتى الان، وطبعا فأنه من نوافل القول ان هذه التأثيرات لم تكن في اتجاه واحد، حيث شهدت الساحة السياسية العراقية صراعا بالوكالة بين مختلف القوى الدولية والإقليمية، وكان تشكيل الحكومات اشبه بمحصلة التجاذبات والصدامات بين هذه القوى، ولا أدل على ذلك مما نشهده حاليا من محاولات تقوم بها دول في المنطقة إضافة الى الولايات المتحدة للدفع باتجاه تشكيل حكومة تتوافق مع مصالحها في العراق وفي الإقليم، وليس صدفة ان يتواجد في العراق بعد الانتخابات كل من قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني والمبعوث الأميركي الخاص للتحالف الدولي لمحاربة داعش بريت ماكغورك، والاثنان يحملان اجندة واحدة تهدف الى الدفع باتجاه بناء تحالف يمكنه تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر القادرة على تشكيل الحكومة، ودون ان نغفل طبعا الدور السعودي الذي بدأ في الظهور مؤخرا والذي عبرت عنه تغريدة لسفير السعودي السابق في العراق وزير دولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان والتي ساند من خلالها وبكل وضوح ما سبق وغرد به الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بخصوص تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر.

مما لا شك فيه ان طهران قد احست بالقلق بعد اعلان نتائج الانتخابات العراقية، كيف لا وقد أظهرت النتائج تراجع أحد اهم حلفائها وهو رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الى المرتبة الرابعة، وحصول تحالف “سائرون” المدعوم من مقتدى الصدر على المركز الأول، هذا الفوز الذي احتفل به أنصار “سائرون” في الساحات بإطلاق شعارات مناوئة لإيران، كما ان مقتدى الصدر نفسه لا يعتبر من الشخصيات الموالية لإيران، بل على العكس من ذلك، فالزعيم الشيعي الشاب على كامل الاستعداد للانفتاح على المحيط العربي للعراق، بل والذهاب الى ابعد من ذلك، وما زيارته الى المملكة العربية السعودية الا دليل على استعداد الداعم الأكبر لتحالف “سائرون” على المضي قدما على طريق إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية العراقية ان تمكن من الوصول الى السلطة في بغداد.

هذا القلق الإيراني دفع بقاسم سليماني الى التوجه شخصيا الى العراق في محاولة واضحة للتأثير على عملية تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر بما يحفظ مصالح طهران في الدولة الجارة، هذه المصالح التي تمكنت ايران من الحفاظ عليها وتعميقها على مدى السنوات الماضية من خلال الدعم المباشر للشخصيات والأحزاب التي شكلت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2004 بدءا بحكومة الجعفري ومرورا بحكومتي المالكي وحتى حكومة حيدر العبادي.

ولذلك يبذل قاسم سليماني جهودا جبارة في محاولة توحيد الصف الشيعي في العراق تحت مظلة واحدة عنوانها استمرار التحالف مع طهران، وفي سبيل الوصول الى هذه النتيجة يحاول الجنرال الإيراني الشهير ان يجمع كلا من “تحالف دولة القانون” بزعامة المالكي مع تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري لتشكيل نواة الكتلة البرلمانية الأكبر، ومحاولة اجتذاب كل من “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني إضافة الى “تحالف النصر” بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي الى هذا التكتل، وبحيث يكون لهذا التكتل ثلاثة نتائج رئيسية، الأولى عزل مقتدى الصدر وتحالف “سائرون” الا اذا وافق الأخير ان يكون جزءا من هذا التكتل، والثانية القدرة على التفاوض مع تحالفات وكتل أخرى وخاصة التحالفات والكتل السنية، وثالثا تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي تضمن استمرار العلاقة الإيجابية الوثيقة مع طهران.

على الطرف الاخر يبدو واضحا ان الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية تسيران تقريبا على نفس الخط، وان كانت الرياض قد نأت بنفسها عن التدخل المباشر الا ان واشنطن تقوم بهذا العمل بالنيابة عنها وبالأصالة عن نفسها، حيث يعمل المبعوث الأمريكي بريت ماكغورك بكل طاقته على تشكيل تحالف برلماني يمكن وصفه بأنه تحالف مضاد لإيران، ولتحقيق هذا الهدف فقد ركز ماكغورك على كل من تحالف “سائرون” وتحالف “النصر” والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، إضافة الى عدد من القوى السنية المقربة من الرياض.

وعلى الرغم من ان تحالفي “سائرون” و”النصر” قد حققا نتائج جيدة في الانتخابات الا ان هذا لا يعني ان المهمة الامريكية السعودية ستكون سهلة، حيث لا يمكن اعتبار حيدر العبادي حليفا واضحا للولايات المتحدة والسعودية على حساب إيران، فالرجل وعلى الرغم من انفتاحه على المحيط العربي للعراق وارساله العديد من رسائل التقارب مع الرياض الا انه في الوقت ذاته لا يزال متمسكا بالتحالف مع إيران، كما ان العلاقة المتوترة بين العبادي وبارزاني بسبب احداث استفتاء إقليم كردستان لا تزال تلقي بظلالها على تشكيل هذا التكتل، وهو ما يعني ان أي اتفاق بين الطرفين للدخول في كتلة واحدة سيحتوي على العديد من الشروط والضمانات المطلوبة من كل طرف وهو ما يشكل الغاما قابلة للانفجار في أي وقت.

وعلينا كذلك ان لا ننسى ان مقتدى الصدر نفسه لا يملك في تاريخه رصيدا من العلاقات الجيدة مع واشنطن، فقد كان الصدر من أوائل من نادوا بضرورة خروج الأمريكيين من العراق بعد عام 2003 بل وقام بعدد من العمليات العسكرية تحت بند مقاومة الاحتلال الأمريكي، وللرجل مواقف متشددة تجاه السياسة الامريكية في العراق، وما يجعل الامر أكثر تعقيدا هو ان حلفاء الصدر في تحالف “سائرون” هم الشيوعيون الذين يقدمون أنفسهم كطرف يرفض الاملاءات الامريكية والإيرانية على حد سواء.

من نوافل القول ان تشكيل الحكومة العراقية في ضوء نتائج الانتخابات هو أمر بالغ التعقيد، وما يزيده تعقيدا هو التدخلات الإقليمية والدولية التي يحاول فيها كل طرف ان يضمن ان الحكومة الجديدة ستحقق مصالحه بالدرجة الأولى, ولذلك فلا يمكن القول بأن نتائج الانتخابات وحدها كفيلة بحسم أمر تشكيل الحكومة، وعلينا ان نعي جيدا ان التأثيرات الإقليمية والدولية ستلعب دورا مؤثرا في تشكيل حكومة العراق، مع التأكيد على تأثر العلاقات بين المكونات السياسية العراقية على تشكيل هذه الحكومة، وباختصار فنحن امام مشهد معقد الى ابعد الحدود تتقاطع فيه مصالح القوى السياسية العراقية مع المصالح الإقليمية والدولية ضمن بيئة سياسية وأمنية معقدة ومشحونة.

سهاد طالباني – رئيسة مؤسسة قنديل

 

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد