الشعب محتقن يا حكومة – د. عصمت حوسو – الأردن

0 305

العالم الآن – الاحتقان لغوياً في معجم المعاني الجامع يعني؛ تراكَمَ واحتبس، تذمّر وغضب، تجمّع وتورّم وانفجر..
المعنى وحده كافٍ ليصف حالة ( الاحتقان الشعبي) اليوم وما آل إليه في خضّم الأحداث المحلية الساخنة جداً والإقليمية الملتهبة جداً وجداً .

عندما يكون مصباح الحكومة نوره خافتاً، فهو حتماً لن يضيء العتمة حالكة السواد التي نعيشها الآن، تلك العتمة حقنت المواطنين الى الحدّ الذي تدفعهم دفعاً للتعبئة العامة والنزول للشارع، والمفارقة هنا أن رغبتهم في اللجوء لذلك لم تعد من أجل الوضع السياسي فحسب؛ فالجميع فَقَدَ الأمل والثقة في ذات الوقت، وإنما احتقانهم الذي قادهم نحو الشارع أو (الرابع) وربما نحو الحراك مرة أخرى وغيره من أجل لقمة العيش فقط، أو بالأحرى عيشة “الكفاف” في أقلّ تقدير ..

الشعب محتقنٌ يا سادة، محتقن في أفكاره ومشاعره، أما سلوكه المحتقن فحدّث بلا حرج؛ فلم يعد يأبه من يجلس على الكراسي “المُدوّرة” بقدر ما يهمه الآن أن يسدّ رمق جوعه وعطشه وأمن أولاده.

احتقان الشعب يا كرام يشي بمؤشرات خطيرة لتفكّك النسيج الاجتماعي ودماره، انزلوا الى الشارع وراقبوا سلوك الشعب اليومي من مختلف الأطياف والطبقات والأعمار، سترون العجب العجاب، فبوادر التفكك الاجتماعي والوطني قادمة لا محالة لا سمح الله، ويا مغيث ..

راقبوا مثلاً عصبية سائقي السيارات في الشوارع منذ الصباح الباكر وحتى في المساء، انظروا ضيق الخُلُق بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الجيران التي قد تصل حدّ القتل، ركّزوا في تمادي البعض على رجل الأمن الذي يحميهم، لاحظوا سلوك الطلبة في قطاع التعليم ومدى التدهور الذي وصل له حالهم، تابعوا ما يحصل على وسائل التواصل الاجتماعي من “إسهال” كتابي تعدّى كل السقوف ووقع في المحظور !!

هل تريدون مؤشرات أخطر من ذلك للتحرك الفوري ودرء الخطر الأكبر؟؟ أم تنتظرون وقوعه لا سمح الله؟؟
الحكومة الحالية وعدتنا أنها (سوف) تتدارس العدد الكبير من الملفات المتراكمة والتي كنا نعرف مسبقاً أنها “ثقيلة” جداً، وكنا نعرف أيضاً أن معالجتها تتطلب الكثير الكثير من الوقت، ولكن، الوقت هنا ليس في صالحها ولا في صالحنا البتّة، فهو كالسيف إن لم تقطعه قطعنا جميعاً إرباً؛ كيف لا والشعب قد نَفَذَ صبره وضاق صدره وفَرَغَ جيبه، أنقذوا ما يمكن إنقاذه يا كرام ..

نحن جميعاً في هذا الوطن دون استثناء نرجو أصحاب الولاية التكرّم بتبنّي مبدأ ( الدفاع) عن حقوق المواطنين المستضعفين والمسحوقين، وأولئك المطحونين تحت عجلة ارتفاع الأسعار المتزايدة ومطرقة الضرائب الثقيلة، قبل أن يسحقنا جميعاً قطار التفكك الاجتماعي والوطني السريع ويصفعنا “القرن” بلا عودة، وهنا على وجه الخصوص لن يرحمنا التاريخ..

الاحتقان الشعبي الحالي إن لم يمتصّه حكماء الوطن وعقلائه سيكتسي طابعاً بغيضاً ووجهاً آخر يخفي خلفه ما هو أخطر من تمزّق نسيج الوطن، ومن الممكن جداً أن تطفو على السطح أجندات أخرى لمن يتربّص بالاستقرار الداخلي للوطن؛ لذلك من الأجدى الإسراع في امتصاص الاحتقان، والتعامل معه بجديّة بدلاً من الحدوّ كالنعامة أو المشي على خطى السلحفاة ..
لا نريد من هذه الحكومة أن تُعيد إنتاج سلبيات سابقاتها؛ فالوضع اليوم لا يحتمل كما استطاع الشعب الاحتمال في السابق، ولا نريد منها كذلك اللجوء الى سياسة ( العصا ) ذاتها التي لن تساهم سوى بإشعال نيران الاحتقان وزيادة مخاطر فتيل “الانفجار المجتمعي”، ولا نريد أيضاً أن نصل الى المخاطرة بالوطن واستقراره ونضع الأخير في مهبّ الريح لا قدّر الله.
حالة التردّي التي وصلنا لها من زيادة التفاوتات الاجتماعية الصاخبة بين أبناء وبنات الوطن، حوّلته الى ميدان خصب للاحتجاج المستمرّ؛ فانتقلت عدوى (الإضراب) على سبيل المثال في مؤسسات الوطن الحيوية، وتحولت الى عطل متقطعة عطّلت مصالح المواطنين وعرقلت عملها، والخوف أن يبقيها ذلك في دائرة التخلف والجمود.

الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي اليوم لا يحتمل أي انزلاق آخر. وبناءً عليه، نطلب من الحكومة أن تنتقل من مرحلة العزف الماهر على إيقاع الألحان الحزينة والتطمينات، لأنها ببساطة شديدة لن تُسمن ولن تُغني من جوع..
لم نتصوّر أبداً أن يمسي “الحزن” وطناً نسكنه ونحمل جنسيته، ألا يكفي الوطن حزناً يا حكومات ؟؟
أنهوا حالة ” التأزّم الاجتماعي” فالشعب محتقن جداً يا حكماء الوطن ..
ونختم بالقول أن المحرّرين لا وجود لهم؛ فالشعوب وحدها من تحرّر نفسها من القيود التي تكبّلها إن هي أرادت؛ عندئذٍ لا بدّ أن يستجيب القدر.
دوماً سيبقى لنا حديثٌ آخر وبقيّة …دمتم..
#دةعصمتحوسو
#مركزالجندراستشاراتنسويةاجتماعية

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد