مقالات WNN

الحسين في قلوب أجياله – هيثم العجلوني- فلوريدا

العالم الآن –  ثمّة شخوص ٍ لا يأتون الى الدنيا مع علبة حلْوى ، يعبرونها بتثاقل ، ويخرجون منها بخبرٍ عابر ! عندما توفي المغفور له الملك حسين ، تعطلّت حركة الهاتف الجوَّال في بلده لساعات ، لم يبق مواطن الا وابلغ عزاءه وحصّته من الحزن والدموع الى عزيز ، وتدافع الناس يومئذٍ على نحوٍ عفوي في كل الاتجاهات والهائمات ، لقد عاش الراحل حذراً في كل شيء الاّ في النضال من اجل وطنه وشعبه ، وكان يدرك ان للوجود ذاكره وان العمل عباده وان لا احد يُخلّد بل الاعمال ، ظهر في العلن ملكاً وكان في السر كومة اعصاب ، عرّف بحراكه وحنكته العالم بوطنه الفقير الصغير طوال حياته ، وفي يوم رحيله جمع زعماء العالم في قلب عاصمته وكأن مقرّ الامم المتحده انتقل اليها ، أتوا جميعاً ليجعلوا من جنازته ( جنازة القرن ) ، حين استقل اربعة مُتضادّون من رؤساء امريكا في سابقه اسطوريه ، طائره واحده لوداعه ، ومن بقية العالم أتى زعماء اعداء تصارعوا دوماً ولم يتقابلوا يوماً ، وضعوا صراعاتهم وخلافاتهم جانباً واتفقوا على هدفٍ مشتركٍ واحد ، وداعه ، وقد كانت صورة الملك الانسان في الخارج اكبر من حجم الاردن ، عرفه العالم من خلال همومه وتواضعه ، اذ لم يكن همّه يوماً إن كان مُترفاً او فرداً حرّاً ، ذلك ان قوام الحريه حسب تعريفه لها هو التواضع والمسامحة ، الى جانب معرفة البقاء والتقدّم والبناء ضمن حيّز الفقر والغدر والاستهداف الذي كان يتعرض له بلده ، وكان مع اشقائه العرب قلباً وقالباً بمن فيهم المتآمرين ، حتى باتت مملكته المنهكه ، ملجأ آمناً وكريماً لشعوب من استهدفوه ، ولو على حساب راحة شعبه الذي كان دائماً يخرج اليه وما خرج يوماً عليه ، وقد كانت رؤى الاحلام بالنسبة اليه اقل قسوة من ترائيات اليقظه التي كان يعيشها كل يوم ، ذلك ان الكوابيس كانت تنتهي حينما يستيقظ من نومه ، ولكن خوفه في الليل والنهار على وطن مزنّر بالرعب والنار جعله يمرض ويرحل باكراً ، تاركاً وراءه إرثاً ضخماً ومسؤوليات جسام ، واجيال كان لها أباً وقائداً لم تعرف قبلاً ملكاً غيره ، تشاركت معه في الرؤية والبناء ، عملت بصمت وأنجزت بامانه ، وصانت إرثه الأعظم ( الانسان اغلى ما نملك ) ، امورٌ كثيره تستحق التأمّل قادتني اليوم الى ذكراه والحديث عنها قد لا ينتهي ، في أي حال ، سيظل الحسين ، الانسان والملك عصيٌ على النسيان ، وسيظل مخلّداً في ذاكرة كل من عرفه، وسيبقى ابداً في قلوب أجياله التي أُحبّته دوماً ولم تخافه يوماً ….. الله يرحمك يا ابو عبدالله ….

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى