” بروفا ” مسلسل رمضاني يغرّد خارج السّرب

0 333

العالم الآن – من يتابع المسلسل الرمضاني «بروفا» لا بدّ أن تستوقفه موضوعاته النابعة من صلب الحياة اليومية للمشاهد. فهو يعدّ من الأعمال الرّمضانية القليلة التي تحمل في مضمونها رسائل توعوية مباشرة، بحيث تغوص في تفاصيل مشكلات الشّباب المراهق من دون أي مبالغة أو اعتماد الفلسفة في كيفية تشريحها.

وتبرز قوة كاتبة العمل يم مشهدي بأسلوبها السهل الممتنع، حيث تركت قلمها ينساب على الورق ليحولها إلى شريكة حقيقية في حياة مشاهده. فعندما طلب منها منتج العمل جمال سنان ترجمة فكرته هذه التي رغب في أن تضيء على هموم الأهل تجاه أولادهم والمخاطر التي يواجهونها في حياتهم الدراسية واليومية، لم تتوانَ عن التطرّق إلى موضوعات حساسة تخص جيل الشباب مثل المخدرات والتنمر وعدم قبول الآخر والإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها. فقدمتها في إطار واقعي ضمن محتوى غني وحقيقي. وهو ما يدفع بجميع الأطراف المتورطين بها من خارج الشاشة أن يعيدوا حساباتهم ويتحملوا مسؤولياتهم تجاهها.

وتعد مؤلفة مسلسل «بروفا» يم مشهدي من الكتاب السوريين الذين تركوا بصماتهم على أعمال الدراما السورية رغم فتوة تجربتها. فهي ومنذ بداياتها في عام 2006، استطاعت أن تحاكي المشاهد في يومياته من خلال كتابة مسلسلات «وشاء الهوى» و«يوم ممطر آخر» و«تحت شرقي» و«قلم حمرة». وتكتمل تجربتها اليوم مع «بروفا» الذي رغم أنّه يغرّد خارج السّرب في موسم رمضان فإنّه يأتي في مقدمة الأعمال الدرامية اللبنانية التي يتم التداول بها على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولعلّ عملية الكاستينغ المرتكزة على خلطة من ممثلين محترفين يتقدمهم بطلا العمل ماغي بو غصن وأحمد فهمي، إضافة إلى سميرة بارودي ونهلة وألكو داود ووسام صباغ وهيام أبو شديد وبياريت قطريب، وإلى جانبهم عنصر شبابي لم يسبق أن وقف أمام الشاشة الصغيرة من قبل برعوا في أداء مقنع. فهبة وزينة وأميرة وإيلين وبيو وغيرهم من الممثلين الذين نعرفهم في المسلسل من خلال أسمائهم هذه، من بينهم طلاب جامعات ومعاهد تمثيل، فيما آخرون دخلوا مجال الفن بالصدفة. «من ناحيتي رسمت لي الشّخصية التي سألعبها بإتقان من خلال تفاصيل صغيرة زودت أدائي بالموضوعية المطلوبة»، تقول ميشال وهبة التي تؤدي دور أميرة في المسلسل. وتتابع في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «في الحلقات المتبقية من (بروفا) سيتخلّلها كثير من الإثارة والتشويق بحيث يتعاطف المشاهد مع شخصية (أميرة) وأتوقّع أن يدعمها رغم كل الأخطاء التي ارتكبتها».

أمّا لودي خوري التي تجسد دور الفتاة السمينة (إيلين) والتي تتعرّض للتنمر بسبب شكلها الخارجي فتقول لـ«الشرق الأوسط»: ««إنّها تجربة رائعة وقدمت دورها عن اقتناع كامل. فأنا عانيت من الوزن الزائد في إحدى مراحل عمري، كما تعرّفت عن قرب على حالات مشابهة عانت من التنمر بسبب وزنها الزائد». وتعد لودي من المشاركات في هذا العمل بالصدفة كونها تهوى التمثيل مع أنّها درست المحاسبة.

أمّا ناتاشا خضرو التي تجسّد شخصية الفتاة صاحبة البشرة الدّاكنة لتسلط الضوء على العنصرية السّارية في بعض مجتمعاتنا، فتقول: «عدم قبول الآخر نلمسه في حياتنا اليومية. وأنا شخصياً ألاحظ هذا الأمر في محيط المنطقة التي أعيش فيها (الدورة). وعندما عُرض علي هذا الدّور وافقت من دون تردّد لأنّه حقيقي». وتضيف خضرو التي تدرس الإخراج في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «أصعب ما واجهته في هذه التجربة هو التبديل التام الذي أحرزته على شخصيتي، فتخلّيت عن طبيعتي المرحة لأبدو حزينة ومنزوية بسبب شكلي الخارجي تماماً كما يتطلّب مني الدور».

وفي سياق الحلقات التي تعرض في «بروفا» يتابع المشاهد مشكلة كيفية تعاطي الأهل مع أولادهم والجهود التي يبذلونها لتوعيتهم. كما يطلّ على آفة المخدرات وسريانها بين تلامذة المدارس ليدق ناقوس الخطر، ويكشف مدى تفشيها بينهم من خلال تعاطيها أو المتاجرة فيها. كما يتناول المسلسل مشكلات يعاني منها الأهل بين بعضهم. فنشاهد الزوجة (نهلة داود) التي تمارس مهنتها كناظرة ناجحة في المدرسة، إلّا أنّها في المقابل تعاني من خيانة زوجها لها فتصاب بالإحباط. فيما نشاهد والدة إحدى التلامذة (بياريت قطريب) المنشغلة بالمظاهر والقشور الخارجية كونها زوجة رجل غني، ويهابها القيمون على مدرسة ابنتها ويدارونها ويسترون على أغلاط هذه الأخيرة، خوفاً من أن توقف تبرعاتها المالية لهم. فينقل لنا المسلسل أجواء كواليس المدارس وما يدور فيها من تصرفات غير عادلة أحياناً بحق تلامذتها فتسهم في ضيعانهم.

وتؤدي ماغي بوغصن دور أستاذة الموسيقى والمسرح في هذه المدرسة التي من خلال تجاربها الشّخصية ومعاناتها مع الحياة، تبث روح المساندة والدّعم فيهم. فنراها الصّديقة والرّفيقة الحنونة التي لا تتوانى عن تخصيص وقتها من أجل حلّ مشكلات تلامذتها. فتطل في «بروفا» ضمن شخصية تبدو من نوع الـ«لايت» إلّا أنّها في الواقع محورية ومؤثرة تحرك لدى مشاهدها مفهوم الإنسانية والوضوح في التعامل مع الآخر. فعصّارة تجاربها التمثيلية في فنون الكوميديا والدّراما برزت بشكل واضح في دور «ليال» ليضيف علامة فارقة أخرى في مشوارها الفني. ومن ناحيته، فإن الممثل أحمد فهمي يؤدي دور أستاذ المدرسة القاسي الذي لم يفلح، ورغم محاولاته المتكرّرة في إحراز تغييرات جذرية في مدرسة جدّته التقليدية، فيقدّم دور الرجل الباحث دائماً عن الأفضل، فإنّ الفشل يكون له بالمرصاد لتسكنه فكرة الاستسلام.

نماذج من الحياة والواقع محورها صعوبة التواصل بين جيلين يقدّمها «بروفا» بحرفية مشهودة لكاتبته ومخرجه وممثليه. ويتوج ذلك بعمل درامي ممتع ينجح في نقل الواقع إلى الشّاشة الصّغيرة بعيداً عن أعمال الدّراما التجارية الرائجة على السّاحة اليوم.

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد