إعلاميون لبنانيون ودوامة التنقلات… والأسباب تقريباً واحدة

0 222

العالم الآن – منذ سنوات قليلة كان يشكّل انتقال إعلامي من صرح إلى آخر حديث الناس. فما إن ينتشر خبر غياب أحدهم عن شاشة أو مؤسسة إعلامية معينة حتى يبدأوا في البحث عن الأسباب التي دفعته إلى اتخاذ قراره هذا. وعندها تكثر التكهنات والإشاعات التي ترافق هذا الانتقال إلى حين بلورة الموضوع من صاحب القرار أو المؤسسة نفسها.

مرات كثيرة كانت هذه المؤسسة أو تلك تتمسّك بالإعلامي، مذيعَ أخبار كان أو مقدّمَ برامج تلفزيونية، وتحاول إغراءه كي يعود عن قراره وتحتفظ به.

أما اليوم، في ظل أزمة اقتصادية حادة يشهدها لبنان ترمي بظلالها على جميع القطاعات، أصبح انتقال الإعلامي من مكان إلى آخر، في الكثير من المرات، يمر مرور الكرام من دون إحداث أي ضجة كبيرة حوله.

إعلاميون لبنانيون كُثر تركوا مراكزهم في لبنان، كي يلتحقوا بأخرى لاحت لهم من بلد عربي أو أجنبي. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر منهم، جيزيل حبيب وريما مكتبي ونيكول تنوري وأنطوان عون وغيرهم، ممّن توزعوا على محطات تلفزة عربية. أما التنقل بين صرح إعلامي وآخر داخل لبنان، فيشمل أسماء إعلاميين عديدين، ويأتي في مقدمهم مارسيل غانم الذي شكّل انتقاله من محطة «إل بي سي آي» بعد 25 سنة من العمل فيها إلى شاشة «إم تي في» مادة إعلامية دسمة جداً. وكذلك الأمر بالنسبة لكارلا حداد أبو جودة وجو معلوف. فالأولى تركت «إم تي في» إلى غير رجعة، بينما الثاني عاد إليها من جديد بعد فترة من عمله في «إل بي سي آي» التي استحوذت عليه بعد تخلّي الأولى عنه. وتطول.. وتطول لائحة المقدمين الذين تنقلوا بين أكثر من وسيلة لبنانية وعربية أمثال طوني خليفة ونيشان ديرهاروتونيان وماغي فرح وديما صادق وغيرهم.

ولكن في الفترة الأخيرة، انتشر خبر مغادرة الإعلامية جيزيل خوري الـ«بي بي سي عربي» في أعقاب حصولها على عرض آخر من «سكاي نيوز عربية». والأمر نفسه ينطبق على الإعلامي والكاتب نديم قطيش الذي حسم قراره بالتوجّه بدوره إلى المحطة نفسها.

أيضاً، من مقدّمي البرامج ومذيعي ومراسلي الأخبار الذين قرّروا بدورهم الالتحاق بفرص أفضل قدمت لهم: طوني بارود ودوللي غانم ودنيز رحمة فخري ونوال برّي ومالك الشريف وماريو عبود. فبعضهم ترك تلفزيون «الجديد» ليطلوا من شاشة «إل بي سي آي»، وآخرون اختاروا «إم تي في» على غيرها من المحطّات، ليكملوا مشوارهم الإعلامي. فهل التنقل بين صرح إعلامي وآخر أصبح أمراً عادياً، في ظل أزمة مادية حادة تعصف بلبنان، أم أن العروض الجيدة لا تزال تغري الإعلامي، لا سيما صاحب الخبرة الواسعة؟

الإعلامية جيزيل خوري ترد في حديث لـ«الشرق الأوسط»، قائلة «إن الأمر يختلف بين حالة انتقال وأخرى، وذلك يتعلق بالسبب المباشر لانتقال هذا الإعلامي أو ذاك من مكان إلى آخر. فالشباب من الإعلاميين لا نستغرب تنقلهم، لأنهم بصدد البحث عن الخبرة». والمعروف أن خوري بدأت مشوارها مع محطة «إل بي سي» في برنامج «حوار العمر»، لتنتقل بعدها إلى قناة «العربية» وتقديمها برنامجي «بالعربي» و«ستوديو بيروت». ومن ثم توجّهت إلى محطة الـ«بي بي سي عربي»، لتطل منها في برنامج «المشهد». واليوم تلبي عرض «سكاي نيوز عربية» – ومركزها في الإمارات العربية المتحدة – لتكمل مشوارها منها.

وتتابع جيزيل خوري، في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، موضحة: «لطالما جاءت خياراتي على خلفية البحث عن خبرات جديدة أكتسبها. فمن محطة (إل بي سي) تحوّلت إلى (العربية)، وتعرفت من خلالها على إعلام الفضاء العربي. وفي (بي بي سي عربي) تزوّدت بتجربة عالمية، بالرغم من أنها محطة لغتها العربية. وقدّمت على شاشتها برنامجاً أحببته كثيراً هو (المشهد). واليوم مع انتقالي إلى (سكاي نيوز عربية) أعيش تجربة إعلامية مختلفة». وتتابع خوري مُضيفة: «الإعلامي صاحب الخبرة والتاريخ الطويل يصبح بحد ذاته مؤسسة. فيتعامل مع محطته الجديدة من هذا المنطلق، مع التمسك باحترامه لسياستها العامة».

تصف جيزيل خوري تجربتها الجديدة في «سكاي نيوز عربية» بـ«الكاملة»، وتقول في معرض حديثها «سأستفيد بشكل كبير من تجربتي معها، وأدخل على عالم الديجيتال (الرقمي) من بابه العريض. ومع (سكاي نيوز عربية) سأعود إلى الحدث السياسي، ومعه سأدخل على عالم إعلامي متكامل، يختلف عن الشاشة. إذ إنه مرفق مع وسائل تواصل اجتماعي وإذاعات و(تويتر) وغيرها، ما يجعلها تجربة عمل متكاملة. ثم إنني في انضمامي إلى محطتي الجديدة سأعيش تجربة إعلامية من قلب المؤسسة التي أنتمي إليها، وليس بمجرد تواصل عادي مع مكتب لها في لبنان. فوجودي في مركز القرار، بالتحديد في مقر القناة نفسها، إضافة إلى عناصر أخرى، جذبتني لخوض تجربة نوعية جديدة. وبالتالي، فانتقالي من صرح إلى آخر، لا يتعلق فقط بالبدل المادي الذي أتقاضاه، بل بنوعية التجربة بحد ذاتها والفضاءات التي تتيحها أمامي لأخرج طاقات جديدة مني». وتختم: «هذه المهنة برأيي كتاب يقلّب الإعلامي صفحاته، وكل تجربة فيه هي بمثابة فصل وينتهي».

من ناحيته، يؤكد بيار الضاهر، رئيس مجلس إدارة محطة «إل بي سي آي»، أنه «من الطبيعي أن يبحث الإعلامي اليوم عن فرص جديدة متاحة له، في ظل أزمة اقتصادية حادة نعيشها في لبنان». ويضيف خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قائلاً: «صرنا اليوم في ظل هذه الأزمة نشدّ على يد الإعلامي، ونبارك له إذا قرّر المغادرة. إذ ليست هناك من مؤسسة إعلامية في لبنان لا تعيش مشكلة مادية تدفع ببعض العاملين فيها إلى مغادرتها بحثاً عن عروض تؤمن لهم لقمة العيش. وبرأيي أن أي انتقال اليوم لإعلامي من صرح إلى آخر تعود أسبابه للعنصر المادي. وهذا الأمر لا ينحصر فقط بالمجال الإعلامي، بل يشمل جميع المهن والمجالات». وعمّا إذا كان في الماضي قد عاش تجارب تمسّك فيها بأحد الإعلاميين العاملين عنده، أجاب ضاهر: «… (إل بي سي آي) لم تقصّر يوماً بحق العاملين معها، ولذلك من كان يرغب في مغادرتها، فإننا نتركه يذهب لأن طموحاته ربما تكون أكبر».

دنيز رحمة فخري، مراسلة نشرات الأخبار في محطة «إم تي في»، تشير من جهتها إلى أن الضجة التي تثار حول انتقال إعلامي من مكان إلى آخر لا تزال حاضرة على الساحة. وتقول لـ«الشرق الأوسط» شارحة: «كلما كان الإعلامي مشهوراً، ولديه باع طويل في مهنة الصحافة والإعلام، كان حضوره أو انتقاله من مكان إلى آخر موضوعاً يهم الناس».

وتتابع: «لذلك أسماء كثيرة لم يمر انتقالها من محطة إلى أخرى مرور الكرام، لا بل شغلت وسائل التواصل الاجتماعي والناس». وعن تجربتها الشخصية في الانتقال من «إل بي سي» إلى «إم تي في» قالت دنيز، «تجربتي مختلفة، إذ لم أكن مَن قرّر اتخاذ القرار بالانتقال، بل جرى الاستغناء عن خدماتي من دون سابق إنذار من قبل إدارة (إل بي سي آي)». وتصف هذه التجربة قائلة: «لقد كانت صعبة جداً. أن تغادري صرحاً عملتِ فيه لمدة 16 سنة، وتجدين نفسك فجأة في مكان آخر لا تعرفينه، يعني أنك دخلت المجهول. لم تكن نقلتي اختيارية، بل أجبرت عليها وهنا يختلف الأمر تماماً».

أما بالنسبة لمقدم نشرات الأخبار في محطة «إل بي سي آي» ماريو عبود (غادر محطة «الجديد» منذ نحو 8 سنوات ليعمل اليوم في «ال بي سي آي)، فذكر أن تنقّل الإعلامي من مؤسسة إعلامية إلى أخرى يعود إلى سببين أساسيين يتمحوران حول الشق المادي والفرصة الجيدة. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال عبود «يأتي انتقال الإعلامي من صرح إلى آخر، بسبب انسداد الآفاق أمامه وتطويقه في المؤسسة التي يعمل فيها، من دون إحرازه أي تقدم. ثم إن عدم التمسك بإعلامي ما من قبل المكان الذي يعمل فيه يتحكم به العامل المادي (e1)، لا سيما في هذه الأيام». وعما إذا كانت عملية البحث عن فرص أفضل ترافق الإعلامي طيلة مشواره المهني، يردّ موضحاً: «هناك دائما عملية بحث من قبله ليؤمن استمرارية طموحه، وإلا أصيب بالركود، وهو أشبه بالموت البطيء. وأحياناً كثيرة يكمن البحث ضمن المؤسسة نفسها، إذ يسعى الإعلامي لتطوير نفسه من خلالها».
” الشرق الاوسط”

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد