الأحقاد لا تبني الأوطان ولا تحقق التنمية – د.غالب سعد – الأردن

0 878

العالم الآن – توقفْتُ بكثير من الغضب والإحباط، عند قرار رئيس مجلس ” أُمناء “، مستشفى النجاح الوطني الجامعي، التابع لجامعة النجاح الفلسطينية، المتضمن الإستغناء عن خدمات، الدكتور سليم الحاج يحيى، كمدير عام للمستشفى، وحتى أبدأ كما يجب، من الوقائع، فقد وصل الدكتور الفلسطيني، ذو الشهرة العالمية، الى هذا الموقع، قادماً من المستشفيات البريطانية، بخبرات وانجازات علمية مميزة، في علاج وجراحة القلب، وتحمل بكل اقتدار، أعباء التطوير الفني والإداري للمستشفى، وتقديم الخدمات الطبية الجليلة والنادرة، لآلاف من المرضى الفلسطينيين، مع سلوك تميز بالتواضع والانسانية، معهم، ومع طلابه، وزملائه وموظفيه،،، لم أبدأ بهذه المقدمة من باب الدعاية لشخص لا أعرفه ولا تربطني به أي قرابة، بل نقلاً عن شهود عيان ثقاة، تعاملوا معه وعرفوه عن قرب، وهو على كل حال، ليس بحاجة لشهادة أحد، وليس مضطراً لوظيفة من أي نوع، فهو من أعلام جراحة القلب في العالم، وتتمنى مئات المستشفيات والعيادات في العالم، التعامل معه والإستفادة من خبرته، كما أن هذه المقالة، ليست من باب التدخل في قضية إدارية ملتبسة، كان يمكن أن تقف عند أصحاب العلاقة، ولم تكن لتستوقفني، من بين أكداس قصص الفساد الإداري والمالي والسياسي، لولا أنها تحولت سريعاً الى قضية رأي عام، لخصت تراجيديا الوضع الفلسطيني، أراها من خلال ثماني ملاحظات، في الشكل والمضمون.

اولاً : من حيث اللغة الإدارية وآداب التخاطب، فليس من المألوف في الإدارات المحترمة، إستخدام مثل هذة العبارات الجارحة وغير اللائقة” تقرر الإستغناء عن خدماتكم” حتى من موظف مبتديء أو متدرب، فكيف من مسؤول، بدرجة رئيس جامعة ورئيس مجلس وزراء، ويحمل لقاباً علمياً رفيعاً، ويفترض أنه تعلم بعض الشيء من سنوات عمله الطويلة، وهو من الناحية الإفتراضية، يمثل قمة الهرم الإجتماعي، ليس في الداخل فقط، بل على مستوى صورة الفلسطينيين الحضارية بين الشعوب، فحتى في الحالات التي تستوجب إنهاء عمل أحد الموظفين، لسبب وظيفي أو مسلكي، فهناك اجراءات ادارية وقضائية، متعارف عليها، واجبة الإحترام، ولا يجوز إدارياً وأخلاقياً، أن تمس، ولو بالإشارة، كرامة الموظف أومكانته المعنوية، حتى لو لم يكن بحجم البرفسور الحاج يحيى.

ثانياً : من حيث الآثار المترتبة على هذا القرار الإداري المعيب، فهي لم تقف عند شبة القصور في الأداء الإداري، لشخصية، أخرِجت للتو من رئآسة الحكومة، بضغط من الشارع، وللشبة نفسها، بل يتعدى ذلك، لإثارة أسئلة هامة وخطيرة، فكم من القرارات التي اتخذها سيادته على مدى تاريخه الوظيفي، كانت من هذا النوع الخفيف المُشَخصَن ، وكم ألحقت من الأضرار الوظيفية والمادية والمعنوية، بمن عملوا تحت مسؤليته، في الجامعة أو الحكومة، وكم من المظالم اُرتكبت، وسترتكب، بحق أبرياء، وربما ضعفاء لا سند لهم ؟؟ وهل يمكن أن يأمل ضحاياها يوماً بصحوة العدالة، وملاحقة من ظلمهم أو افترى عليهم، وتُرَد لهم حقوقهم واعتبارهم؟.

ثالثاً : في وضع الفلسطينيين الصعب، ليس أحوج منهم، لاستثمار الموارد المادية والبشرية، وترشيد الأداء، في كل المواقع وعلى كل المستويات، وإلا فكيف سيحققون الصمود، فضلاً عن الإنتصار والإستقلال، وبناء الوطن وانجاز التنمية، وهم يقادون بهذا المستوى من الأداء، وأين الحكمة في سياسات تهدف الى تطفيش كوادرهم المتميزة، وهم أحوج ما يكونون اليها، بدل العمل على استقطابها، أين الإحساس بالمسؤلية الوطنية التي أقسموا بأن يحافظوا عليها، وأين المسائلة عن مثل هكذا سلوك تدميري، مقصود وممنهج، لا يصدر إلّا عن نفسيات حاقدة، ولا تخدم إلّا أهداف وسياسات الأعداء.

رابعاً : ليس الهدف النهائي من الحديث في هذا الموضوع، تنظيم بكائية على خطأ أساء أولاً لمرتكبه، ووضع علامة استفهام كبيرة، حول توازنه النفسي ونزاهته وكفاءته المهنية، وإخلاصه للمصلحة العامة المؤتمن عليها، اما إذا طالت الإساءة جهة أُخرى، فهي مرضى القلب من الفلسطينيين على قوائم الإنتظار، ومشاعر ذويهم، وآمالهم في إنقاذ أحبتهم، وزادت فوق همومهم، هموم تدبير الموارد لتحويلهم للعلاج في الخارج، وأخيرا وليس آخراً ، كم من الضرر الحقه هذا القرار في صورة الفلسطيني، الذي ساهم بذكائه وخبرته في إعمار الكثير من الدول الشقيقة والصديقة، كيف تبدو قيادته السياسية والإدارية وهي تحرمه من تحقيق حلمة في خدمة موطنه الأصلي.

خامساً : في كثير من المراحل والمواقف، نتوقع ان يتولى أمور الناس، من لا تتوفر فيه صحوة الضمر ولا الإحساس الكافي بالمسؤولية، حتى لو خدع الجميع بشهاداته الورقية، او لقي دعماً من أحد أركان القرار، قريب أو نسيب أو ممول من أي نوع، وقد لا يجد من يردعه، ولو متأخراً، فيبقى الرهان على المثقفين والقوى الوطنية الحية الشجاعة، ومواقع التواصل الإجتماعي، لترفع الصوت وتقف في وجه الفساد، والمفسدين، وتعيدهم الى جادة الصواب، واذا لزم الأمر، العمل على ملاحقتهم ومحاسبتهم، اجتمعيا وسياسيا وقضائيا.

سادساً : لا أستطيع حصر ردود الفعل الرافضة لقرار الاقالة التعسفية، لمدير مستشفي النجاح، ولكنني على يقين أن المئات بل الآلاف من الوطنيين الغيورين، قد عبروا عن تضامنهم معه، ومنهم من لديه الإلتزام الوطني والأخلاقي، والإمكانية المادية واللوجستية أن يفكر بحلول ومخارج عملية لائقة، هذا ما فهمته على الأقل، من الدكتور عدنان مجلي، رئيس الكونغرس الفلسطيني الإقتصادي العالمي.

سابعاً : ربما يبقى التطلع بتفاؤل للقادم، أفضل من كيل اللعنات على الماضي، ومن فضائل الأخطاء، إذا كان لها من فضائل، أن تحمل الدروس والعبر، في رسالة واضحة، لكل موظف في موقع المسؤلية، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء المكلف، الدكتور محمد اشتية، أن يتذكر هذه السقطة من سلفه، عند كل قرار يأخذه او يوافق عليه، وأن يبقى أميناً للقسم، وعلى مصالح الناس من مواطنين ومرؤوسين.

ثامناً : يبقى رأس الهرم في الدولة أو المؤسسة هو الملاذ الأخير، حين تتعطل كل آليات العدالة والإنصاف، فهو الحارس المفترض على النظام وعلى المصلحة العامة والوطنية، فقراره في مثل هذه الحالات يبقى المؤشر على ما بقي من عناصر المناعة القانونية والاخلاقية للدولة والمجتمع، فهو القادر على التدخل في كل مرحلة، والإنتصار للحق، والإستجابة لنبض الشارع، وإعادة الإعتبار لهذا الفلسطيني المتميز، ولموقعه الرئاسي كرمز للدولة، ولصورة الفلسطينيين في العالم، بشكل عام.
[email protected]

رابط مختصر:
مقالات ذات الصلة

اترك رد